(1)
الخروج «الفرح» على النص الطائفى»
الدبكة هى الرقصة الشعبية الشائعة فى بلد الأرز «لبنان». وفيها ذروة التعبير عن الفرح حيث يصطف الشباب ذكورا وإناثا فى حلقات مشتركة خاصة فى الأعراس والمناسبات السعيدة.
ومن أهم ما يميزها حركة الأقدام المتسارعة الضرب على الأرض بصوت عال ترافقها دقات عازفى الطبل المتنوع... بهكذا تعبير اجتاح «الحراكيون» الساحات فى لبنان يعبرون عن سلمية حراكهم... ويبدو لى أنها كانت اختيارا موفقا يعبر عن زخم المشاعر اللبنانية الشعبية المتداخلة من: أولا: استدعاء رمز فلكلورى ليكون رأس حربة «ضاربة» «للشبكة الطائفية» التى تتمركز فيها المذهبية والثروية والسلطوية. وثانيا: فرح بالوحدة القاعدية العابرة للطائفية والمناطقية بين اللبنانيين. ثالثا: التأكيد على «سلمية» الحراك. نعم يحمل غضبا مجتمعيا من «الشبكة». ولكن لا يمنع أن يتم التعبير عن هذا الغضب «بالدبكة»، دلالة عن التحرر من الخروج من النص الطائفى وكسر قدسيته.
(2)
«هييه هييه هوه»
ما إن انتهيت من كتابة الفقرة السابقة، بعد ظهر الأحد الماضى، حتى تداولت الأخبار فوز المحامى ملحم خلف بمنصب نقيب المحامين ممثلا مستقلا عن الحراك. وهو الانتصار الذى يمثل حلحلة (بحسب التعبير اللبنانى) للسياق الطائفى الذى يسود كل أنواع الانتخابات. وتشير القراءة الأولية لهذه النتيجة إلى عدة أمور منها: أولا: فوز مرشح الحراك المستقل بثلثى أصوات المحامين الذين شاركوا فى العملية الانتخابية. ثانيا: فشل مرشحى الأحزاب الذين يعبرون عن شبكة الطوائف فى العمق من الفوز على مرشح الحراك فى الجولة الأولى. (كان هناك مرشح مدعوم من ثلاثة حلفاء هم: القوات اللبنانية والمستقبل والتقدمى الاشتراكى. ومرشح آخر مدعوم من التيار الوطنى الحر. ومرشح ثالث مدعوم من الكتائب وحركة أمل). ما أدى، وهنا المفارقة، إلى أن تتحالف أربع قوى حزبية فيما بينها فى جولة الإعادة هى: القوات اللبنانية (جعجع)، والمستقبل (الحريرى)، والتيار الحر (عون)، والتقدم الاشتراكى (جنبلاط). ما يعنى أن الخلافات الظاهرة فى المجال السياسى يجب ألا تكون مقياسا للتحليل. فشعور الشبكة الطائفية بالتهديد دفعهم للتحالف تجاه ممثل الحراك فى نقابة المحامين. الحراك الذى يعبر عن قوى جديدة بازغة قوامها: أولا: الجيل الجديد، وثانيا: الفاعلون الحداثيون فى المجتمع المدنى، وثالثا: الفقراء أو الكتلة المحرومة. وهى القوى التى تتحرك خارج الشبكة المغلقة. والتبعية لسطوة المركزية الثروية والمذهبية والسلطوية... القوى الجديدة البازغة فى الحراك التى هى مرة أخرى كما أشرنا قبل أسبوعين، ولكن نتيجة الانتخابات جاءت لتعبر عن أن السياق التقليدى ــ الطائفى ــ قد بدأ يعانى الخريف. (راجع مقالنا خريف الطوائف ـ الأسبوع الماضى)... لهذا حُق لها أن تعبر عن نفسها مع إعلان فوز مرشحها الذى رفع شعار «نقابة المحامين: رافعة وطن» فى حملته الانتخابية، تعبيرا عن أن فوزه كمرشح للحراك هو خطوة فى الطريق إلى تجاوز الطائفية نحو المواطنية... لذا حُق لجموع المحامين التعبير عن فرحها بفوز مرشح الحراك باستدعاء شعارها الأثير المتغير بحسب الرسالة المطلوب توصيلها والذى بات أقرب إلى الكود أو المفتاح أو التغريدة التى تعبر عن اللحظة الحراكية... حيث يبدأ الحراكيون قول: «هييه هييه هووو». ثم يقولون ما يريدون فى كلمتين ثم يختمون بـ«يا هوو»... وفى حالتنا هنا: «هييه هييه هووو ملحم نقيب ياهووو».
(3)
«الرسائل غير الملتقطة»
يبدو لى أن الشبكة الطائفية المغلقة لم تدرك بعد أن جديدا يتبلور. لا يعتمد المناورات السياسية التقليدية. وينبذ العنف كليا ويعتمد منهجية «الدبكة»، إن جاز التعبير، لتجسيد مطلبه الرئيس وهو تأمين «الحياة الكريمة» من: خدمات، وأنظمة تأمين، ووظائف، ومرافق أساسية،...، إلخ، التى فشلت «شبكة الامتيازات المغلقة» فى توفيرها للمواطنين. وفى المقابل كان الهدر، والفساد، والمحسوبية الطائفية. ومن ثم جاءت «الدبكة» بما ترمز من ممارسة تكنيكات «حراكية» مبدعة لمجتمع حيوى منفتح على العصر، ومتطلع لزمن جديد يقوم على المواطنية والحداثة والعصرنة والمدنية... ونواصل الحديث عن هذه التكنيكات فى مقالنا القادم