الحق في «التَفَنُّن»

(1)
حق التعبير الفنى العام

أحد أهم الحقوق التى تتحدث عنها أدبيات المواطنة منذ أكثر من عقد من الزمان. فمن الأهمية بمكان أن يكون لدى المواطن مساحة كى يعبر فيها عما يراه يسعده من خلال المجال العام. وليس بالضرورة أن يكون المرء موهوبًا، لأن الموهبة لها طرق أخرى للتعبير والصقل. أو يستهدف الربح لأن ذلك له مسار مختلف. وإنما المقصود بالتعبير الفنى العام هو حق كل مواطن فى أن يكون لديه «فن» ما أو «صنعة» يشعر بالمتعة والفائدة من خلال ممارستها. ذلك لأن كل إنسان/ مواطن - مهما كان ذكاءه - لديه قدرات وطاقات كامنة فى حاجة إلى الانطلاق. ربما لا ترقى لدرجة الموهبة المتميزة أو النادرة. ولكن من حق صاحبها أن يعبر عنها «مدنيًّا» فى المجال العام. أى تعبير يتجاوز غرفته الضيقة وعوالمه الصغيرة كالعائلة أو الأصدقاء. والمقصود بذلك ألا تقتصر ممارسة الفنون على أصحاب المواهب فقط. وإنما تصبح متاحة للجميع دون تمييز...إنها «المواطنة الفنية» «Artistic Citizenship».

(2)

المواطنة الفنية

تمثل المواطنة الفنية بُعدًا جديدًا يضاف إلى أبعاد المواطنة. ويقول من نظروا لها من واقع متابعتهم للواقع الاجتماعى الراهن: إن تقنيات التواصل الدائمة التجدد قد رفعت من قيمة الإنسان/ المواطن فى ذاته. ومن ثم لابد من إتاحة الفرص المتنوعة أمام كل إنسان/ مواطن مهما كانت مكانته. خاصة أن مفهوم «المواطنة الفنية» قد ارتبط بتعبير آخر ورد فى أدبيات المواطنة مفاده أن هناك ما بات يُعرف بـ«المواطنة العميقة». ويقصد بها أن كل مواطن لديه من المقومات الداخلية غير المكتشفة أو المدركة ما تتيح له أن يكون حاضرًا ومندمجا فى المجال العام بأبعاده: السياسية، والمدنية، والثقافية... إلخ، من جهة. ومن ثم لابد من إتاحة الفرصة/ الفرص أمامها. ومن جهة أخرى، تتعمق المواطنة العامة بفعل هذا الحضور. وينتج عن ذلك تشارك المواطنين التعبير الحر المدنى عما يشعرون به داخلهم. ومن خلال التشارك العام تتم تنقية وتصحيح التعبيرات الفنية المتنوعة دون المستوى. كما يعرف المواطنون المختلفون ثقافيًّا بعضهم البعض عبر التجليات الفنية المختلفة التى تمثل فى المحصلة المخزون الثقافى للأوطان.. وهو ما أدركته البرازيل من خلال صيغة «دسترتها» فى دستورها فى هذا المقام.. ما هى؟

(3)

إبداع وصنع وعيش

انتبهت دساتير ما أطلقت عليه «دساتير الموجة الرابعة» إلى أهمية حق ممارسة التعبير الفنى لكل المواطنين، وصنفت درجات التعبير كما يلى: أولا: درجة الإبداع للمواهب الفردية. وثانيا: درجة الصناعة سواء بمعناها الكثيف والمؤسسى أو الحر والفردى. وثالثا: التعبير الفنى للأفراد والمجموعات فى عيشهم اليومى. وتعكس الدرجات الثلاث مدى الحرص على تأمين «الحق فى التفنن» أو ممارسة الفن/ الفنون لكل من: المواهب والصناعات من جانب. وعلى مستويى الممارسة المواطنية اليومية من ناحية، وإحياء التراث الشعبى فى حياة هؤلاء المواطنين من ناحية أخرى، الذى هو تراث الوطن.. وقد حقق الالتزام بهذا الحق فى بعض الدول الكثير من الفوائد.. فما أهمها؟.

(4)

الإحساس بالجمال والشعور بالسعادة

إن ممارسة أى فن أو صنعة تكون نتاج عملية داخلية تلقائية حرة تنتج شيئا جميلا مهما كان بسيطا - ولا نقصد الصنعة التى يتقاضى المواطن عنها أجرًا - يكون من شأنها: أولا: أن ترفع درجة الإحساس بالجمال لدى الإنسان/ المواطن. وثانيا: الشعور بالسرور فى الحياة اليومية. ومن هنا زاد الاهتمام بتأمين المواطن فى أن يعبر عن نفسه فنيًّا، أو بتأمين «الحق فى التفنن» أو ممارسة الفنون المتنوعة من خلال مساحات مقننة. ما يفعّل الحضور المواطنى. ويضفى الحيوية على المجال العام. ويرفع الذوق العام. ولا يقف «التفنن» عند الفنون المتعارف عليها مثل: التمثيل، أو الغناء، أو العزف فقط. وإنما تمتد إلى فنون: الطهو، واللهو، والكتابة، والرسم، والنحت، وتكوين التشكيلات المختلفة، وتجميل البيئة المحيطة، والحكى، والمحاكاة، والصناعات والمهارات المختلفة.

(5)

التفنن والتمدن.. ضرورتان

إن منظومة حقوق المواطنة ذات الطابع الإنسانى - فيما وصفناه بالمواطنة الإنسانية - الساعية إلى التمدن والتفنن ضرورة نستكمل بها حزمة المواطنة متعددة ومتشابكة الأبعاد.


طباعة   البريد الإلكتروني
0
0
0
s2smodern