(1)
نشرت مجلة الجارديان الأسبوعية (تصدر عن جريدة الجارديان البريطانية) مقالا منذ أسبوعين عن جون بولتون (71 سنة)، مستشار الأمن القومى الأمريكى فى إدارة «ترامب»، عنوانه: «هل جون بولتون الرجل الأكثر خطرا على ظهر الكوكب؟».. ويطرح كاتب المقال فكرة مفادها أن «بولتون» لديه رؤية مستقرة حول ضرورة أن تخوض الولايات الأمريكية حربا تؤكد بها «أولويتها» على باقى دول العالم. وأن الحرب المثالية التى من شأنها أن تحقق هدف التفوق الأمريكى هى الحرب مع إيران. وهو رأى يعتقد فيه «بولتون» منذ عقدين من الزمان. لذا ومنذ تولى مسؤوليته فى إدارة الرئيس الأمريكى «ترامب»، كمستشار للأمن القومى، مؤخرا (منذ إبريل الماضى)، لم يدخر جهدا من أجل تأجيج الموقف الأمريكى حيال إيران. والدفع إلى ذروة التصعيد معها.
(2)
وتكمن خطورة الرجل فى أنه «يعرف ماذا يفعل». فهو «كادر مؤهل جيدا للضغط بقوة من أجل تنفيذ وجهة نظره»، بحسب مقال الجارديان.. وذلك من خلال: أولا: التحايل على تقويض خيار الدبلوماسية لصالح استخدام القوة بشتى الطرق. وثانيا: التحريض الدائم على ألا تلتزم الولايات المتحدة الأمريكية بأى اتفاقيات تحول دون استخدام الولايات المتحدة الأمريكية للقوة. ولعل عنوان مؤلفه الصادر (ما يقرب من 600 صفحة) فى 2007 «الاستسلام ليس خيارا»؛ يعكس عقيدة «بولتون» الاستراتيجية بأن الهجوم هو خير وسيلة للدفاع عن الولايات المتحدة الأمريكية.. مارس ذلك أثناء عمله فى مستويات إدارية مختلفة فى إدارتى ريجان، وبوش الأب. ولكن دوره المؤثر جاء عندما تولى منصب وكيل وزارة الخارجية لشؤون الأمن الدولى والحد من التسلح «فى مطلع الدورة الأولى من حكم بوش الابن. ما أتاح له حضور اجتماعات مجلس الأمن القومى ويكون على صلة مباشرة مع الرئيس الأمريكى الذى رشحه مندوبا لأمريكا لدى الأمم المتحدة فى سنة 2005 فى فترة حكمه الثانية.
.. وقد لعب «بولتون» خلال هذه الفترة دورا مؤثرا فى استخدام القوة تجاه العراق وتكريس فكرة ازاحة الأنظمة بالقوة الخارجية. وأن يكون دائم التحريض ضد كوريا الشمالية وإيران وليبيا وسوريا وكوبا. أو ما عُرف فى أدبيات اليمن المحافظ «محور الشر». ولم يخف، قط، انحيازه المطلق لإسرائيل. كما نجح فى حث إدارة بوش الابن على ألا توقع على اتفاقية منع انتشار الأسلحة البيولوجية. ويذكر له أيضا التشجيع على «معاداة المحكمة الجنائية الدولية». وبالرغم من عدم قناعته بدور الأمم المتحدة إلا أنه قبل بتعيين بوش الابن له كمندوب لأمريكا فيها سنة 2005.
(3)
وفى ضوء خبرة الرجل التحريضية من أجل استخدام القوة والامتناع الدائم عن المشاركة الأمريكية فى كل ما ينشر السلم العالمى، نسبيا؛ نجح منذ أن تولى مهمته كمستشار للأمن القومى لترامب أن يدفعه ويدفع إدارته نحو ذروة تصعيد بين كثير من الأطراف فى الشرق الأوسط. وأن يضع الولايات المتحدة الأمريكية فى مواجهة مع كثير من القوى الدولية. وفى هذا المقام، يقول كاتب مقال الجارديان «نجح الرجل فى أن يحقق رغبته فى استخدام القوة». أو، بلغة أخرى، اختطاف الإدارة الأمريكية إلى ممارسة التصعيد والتشدد فى سياق دولى لديه رؤى أخرى فى التعاطى مع الملفات العالقة بين أطرافه.. إنه «الجحيم»؛ وهو الوصف الذى وصفت به سياسات الرجل. فمن غير المعقول أن تستدرج الإدارة الأمريكية إلى فتح عدة جبهات وأن تذعن لعقيدة ممارسة القوة المطلقة دون تنسيق، ودون تقدير لموازين القوى العالمية الراهنة مع صعود الهند والصين وروسيا، والابتعاد عن الحليف الأوروبى،...، إلخ،.. والأهم تزايد الضجر من هذا «الحمق» فى التعاطى مع الشؤون الدولية.
(4)
بهذا المعنى يعد «بولتون» خطرا على العالم اليوم.. فالخطر يتجاوز الداخل الأمريكى إلى الساحة الدولية. ويشير كاتب المقال إلى أنه «يبدو أن إيقاع بولتون السريع فى تحقيق عقيدته يعود إلى أن أيام ترامب قصيرة». ومن ثم لا بد من استثمار وجوده.. وعليه هل يذعن ترامب للرجل الخطير أم يتخلص منه؟.