«الوهم الكبير»؛ هو عنوان أحدث كتاب لأستاذ العلوم السياسية بجامعة شيكاغو «جون ميرشايمر» (1947 ــ). ويعد ميرشايمر «أحد أهم الاستراتيجيين الأمريكيين الذين يتابعون بدأب عبر عقود:
أولا: السياسية الخارجية الأمريكية وأثرها وعلاقاتها (راجع كتابه اللوبى الإسرائيلى والسياسة الأمريكية الخارجية ــ 2007).
وثانيا: تحولات نظام العلاقات الدولية (راجع كتابه المرجعى الهام تراجيديا سياسات القوى العظمى ـ 2014). والذى يدرس فيه تفصيلًا سلوك القوة العظمى من أجل الهيمنة على حركة العلاقات الدولية تاريخيًا. وكيف ستكون طبيعة هذا السلوك فى القرن الواحد والعشرين بين القوى التقليدية والقوى البازغة وعلى رأسها الصين. وفى هذا السياق يطرح سؤالًا محوريًا هل سيكون الصعود الصينى فى القرن الواحد والعشرين: «سلاميا» أى بدون صراع؟.. فنجد إجابته هى: «لا حاسمة». ذلك لأن الصين الصاعدة سوف تعمل ــ حتمًا ــ على الهيمنة على آسيا، أولا، ومن ثم العالم. وهو ما سوف تقاومه الولايات المتحدة الأمريكية لإبقاء النظم الإقليمية بنفس توازنات القوة القديمة والتى تحتل فيها أمريكا وضعًا مهيمنًا لا بأس به.
وهنا تكمن «المأساة» (التراجيديا) حيث لا مهرب من المواجهة بين القوة/ القوى البازغة والقوة/ القوى القديمة...
(2)
ويواصل «ميرشايمر» فى «الوهم الكبير»؛ تصوره حول المأساة المتوقعة فى منظومة العلاقات الدولية، وذلك بهزيمة «الأحلام الليبرالية» أمام «الحقائق الدولية» المستجدة. وتحديدا «حقائق القوة الجديدة». وباعتباره أحد المنظرين الكبار لنظرية العلاقات الدولية ــ وتحديدا فى تبنيه لما يعرف فى التصنيف المعتمد علميا بالواقعية البنيوية أو الواقعية التى تقوم على القوة الكامنة فى بنية الدولة/ الدول المكونة للمنظومة الدولية ــ ينحاز «ميرشايمر» إلى أن «دول المنظومة الدولية تتنافس فيما بينها على القوة» عمليا.. وتقوم العلاقات الدولية على حالة من الاستنفار الدائم لا تتوقف، بفعل التنافس الدائم بين الدول الكبرى وبين القوة فى هذه الدول.
(3)
ويفسر «ميرشايمر» ما سبق، بقوله: إن الولايات المتحدة الأمريكية أضاعت فرصة تفوقها على الاتحاد السوفيتى وانتصارها فى الحرب الباردة عليه. ومن ثم ما يصفه «بالهيمنة الليبرالية». نظرا لفشلها فى صياغة «عالم أكثر سلمًا». ومعالجة الإشكالية المزدوجة التى يواجهها العالم وهى: الإرهاب والانتشار النووى. كذلك الإخفاق فى بناء أوطان متماسكة ذات أنظمة ديمقراطية كما جرى فى العراق وأفغانستان. ونتج عن ما سبق أنه لم يبق أمام الولايات المتحدة الأمريكية إلا الانحياز إما إلى «المنهج الواقعى» أو تبنى «النهج القومى» المتطرف فى العلاقات الدولية. وتتراوح الولايات المتحدة الأمريكية فى تبنى هذين المنهجين ـــ بتطرف شديد ـــ فى علاقاتها مع القوى الدولية الأخرى. وهو ما استنفر القوى الدولية أن ترد على الخيار الأمريكى بنفس النهج حفاظا على صعودها وتقدمها..
(4)
وتكمن خطورة الوضع الراهن فى أن القوى العظمى لا تعنى ــ واقعيًا وعمليًا ــ إلا بالكيفية التى تضمن استمرارية بقائها قوية ولو على حساب القوى الأخرى. وهو وضع «خطر» لأنه يجعل النظام الدولى تحت التهديد الدائم. وذلك باندلاع صدامات بين قواها المختلفة. وفى هكذا سياق، لابد من إدراك أن قدرًا من الفوضى يسيطر على المجال الدولى. ومن ثم تتراجع حقوق المواطنين حيث الأولوية تكون فى انتصار هيمنة الدول فى معاركها الدولية سواء كانت حروبًا صلبة صريحة بالأسلحة الثقيلة: مباشرة أو بالوكالة. أو حروبًا ناعمة أو ذكية أو حادة بحسب الأطروحة الصينية. وتتركز جهود القوى الدولية ــ طول الوقت ــ ليس، فقط، على كيفية استمرار قوتها، وإنما إلى اغتنام كل فرصة من «أجل تحويل ميزان القوى لمصلحتها».. ولعل جانبًا من حراكات المواطنين فى مركز ثقل المنظومة الدولية وتحديدا أوروبا وأمريكا يعكس موقفًا رافضًا للعبة الأمم الجديدة القديمة.. وأن استمرار هذه الحالة هو الوهم الكبير بعينه.