فى غيبة كثير من الكبار، عقد منتدى دافوس الاقتصادى: ملتقى نخبة العالم الاقتصادية؛ مؤتمره السنوى الأسبوع الماضى تحت عنوان: «الثورة الصناعية الرابعة أو العولمة فى طورها الرابع: وكيفية تشكيل بنيتها العالمية». وجاء لقاء هذا العام ليعكس مدى الأزمة التى بلغها العالم فى إدارة موارده وسد الفجوة المتنامية. فبعيدا عن الصفقات الكبيرة بين الشركات الكوكبية (إذا ما استعرنا تعبير عالمنا الاقتصادى الكبير الراحل إسماعيل صبرى عبدالله)، والصغيرة الحكومية التى يتم عقدها على هامش اللقاء- عكست الحوارات كيف أن العالم يواجه محنة حقيقية نظرًا لتداعيات الأزمة المالية العالمية الممتدة الآثار منذ 2008 وهو ما عبرت عنه ممثلة صندوق النقد الدولى فى كلمتها من جهة. كذلك ما سوف تفاقمه مستقبلا، بحسب كثيرين، من جهة أخرى.
(2)
وواقع الأمر؛ يأتى دافوس 2019، ليجسد «فصلا ثالثا» لعرض «الأزمة»، والذى بدأ منذ سنتين. حيث جاء الفصل الأول فى 2016؛ عندما أعلن كلاوس شواب (مؤسس المنتدى الاقتصادى العالمى) دخول العالم لزمن الثورة الصناعية الرابعة وهو خبر مفرح ولا شك. ولكنه استطرد محذرا من أنه سيترتب على ما سبق تزايد أوضاع: «اللا مساواة، والصراع، والإقصاء». ما يجب الانتباه إليه.
أما الفصل الثانى، فلقد جاء فيما أعلن- ضمناـ فى منتدى 2018 بما أشرنا إليه حينها، بأن أثرياء العالم قد قرروا «ربح أنفسهم وخسارة العالم». وذلك بدعم «القلة التى باتت قادرة على النجاة وتعيش حياة رغدة»، وترك «الأكثرية التى تعانى عيشا متدنيا» لمصيرها.. وها هو يكتمل العرض «المأساوى» بفصل ثالث يمكن أن نعنونه بالتالى: «الانفصال عن مواطنى العالم».
(3)
فبالرغم من محاولة المنتدى من أن يكون بالفعل ساحة للحوار الحر من خلال الحديث فى شتى القضايا التى تهم الإنسانية والكوكب على مدى دوراته الثلاث الأخيرة، فالتقارير الراصدة نقاشات منتدى هذا العام قد سجلت ما تردد علنا لعدة أسئلة فرضها المشاركون على اللقاء منها:
أولا- مدى جدوى «منتدى دافوس الاقتصادى» الذى يعقد بشكل سنوى منذ 1971؟
وثانيا- مدى نجاح المنتدى فى تحقيق الهدف الذى تأسس من أجله والخاص «بترقية وتنمية أحوال العالم»؟
وفى هذا الإطار، أعلن الكثيرون من خلال فعاليات المنتدى عن رأيهم فى أن المنتدى قد أصبح منفصلا عن مواطنى العالم.
(4)
نعم، يقر الحاضرون بالأزمة على المستويات التالية: بين الدول الكبرى كما هو الحال بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين، وبين دول القارة الأوروبية، وبين باقى الدول وبعضها البعض.
كذلك الأزمات الكوكبية مثل ما يتعلق بالمناخ، وتنامى الفقر، ونقص الموارد الطبيعية، وانتشار الأمراض المتوطنة، وتداعيات الثورة الصناعية الرابعة، وأثر التقنيات الرقمية على الواقع الثقافى والاقتصادى.
كما يؤكد التقرير الختامى للمنتدى على «مأساة» الوضع الكوكبى من جهة، وموقف النخبة الكوكبية الثرية من أغلبية مواطنى العالم من جهة أخرى، حيث أقر بالكثير من الإشكاليات العولمية، وكذلك ضرورة مواجهتها مثل: التهديد الصينى، والانقسام الأوروبى، والحركات المواطنية المتنامية فى شتى بقاع الأرض إلى القراءة المتأنية تشير إلى أن حصيلة اللقاء على أهميتها المعرفية إلا أن المنتدى انحاز إلى تجاوزها بوعود لعلاجها دون وضع رؤى جذرية لحل تداعياتها. وكأنهم يقولون «القادم قادم... فلنستمر، ويكفى أننا نناقش بشفافية كل الأمور» وتحظى الحكومات ببعض الصفقات تُيسر الأحوال.
(5)
ولعل المقولة الكاشفة لمارتن جيلبرت (الرئيس التنفيذى المشارك لشركة الاستثمارات البريطانية- ستاندرد لايف أبردين) بأننا «فى مكان أسوأ مما كنا عليه قبل عام، محذرا من أن الاقتصاد العالمى قد يواجه المزيد من الرياح المعاكسة هذا العام».. فهل نحن مستعدون؟!