المسيحيون العرب..(3) نصوص الشأن العام

من أهم ما أثير فى لقاء بيت المستقبل حول مستقبل المسيحيين فى الشرق الأوسط، الذى أقيم فى يومى 14 و15 نوفمبر الماضى، هو الاقتراب مما أطلق عليه نصوص الشأن العام الكنسية.

ويُقصد بهذه النصوص: التراث الفكري/اللاهوتى الذى أنتجه مسيحيو المنطقة. حيث قصدت الجلسة إلى إلقاء الضوء عليها، وتثمين ما تضمنته من أفكار، وتقويمه. وكيفية استنهاض هذا الإرث؟ وبحث مدى تفعيله عمليا: فرديا ومؤسسيا؟.

ويمكن أن نعتبر هذه الجلسة مفتتحا للبحث حول هذا الموضوع المهم الذى لم يوف حقه وهو ما لفت النظر إليه الدكتور القس رياض جرجور الأمين العام الأسبق لمجلس كنائس الشرق الأوسط. وهو ما اشار إليه الدكتور وحيد عبد المجيد الذى رأس هذه الجلسة وعبر عن ذلك آنذاك وأكد ما قاله فى عموده اليومى بـ «الأهرام» (27/11 الماضي). حيث ركز المساهمون على نصوص بعينها. كما لم تأخذ الأطروحات فى الاعتبار بأن هناك تراثا نصوصيا ضخما لابد من التذكير به أولا، وجمعه، وإعادة النظر فيما تضمنه من أفكار، واستبعاد ما فقد صلاحيته، واستعادة ما لايزال صائبا، وابداع ما يستجيب للواقع الراهن...

فعلى مدى زمنى ممتد، أنتج مسيحيو المنطقة العديد من النصوص التى يمكن تصنيفها كما يلي: أولا: النصوص المؤسسية: دينية: كنائس (كل كنيسة على حدة أو تصدر عن مجموعة من الكنائس) ومجالس كنائس. ومدنية: أكاديمية، ومؤسسات مجتمع مدنى، ومجموعات حوارية. ثانيا: النصوص الفردية: من قبل شخصيات عامة ورجال دين.

فى هذا السياق، سوف نجد زخما نوعيا وكميا كبيرا لما أطلقت عليه الندوة: نصوص الشأن العام. فهى تحمل رؤية للكثير من القضايا والإشكاليات. كما تتضمن قيما وتوجهات تحكم ممارسات المرء فى حياته اليومية فى علاقته بالمجتمع والآخرين. ومن الموضوعات التى تقاربها هذه النصوص ما يلي: انتماؤهم للمنطقة، العيش المشترك/الحياة المشترك، الاندماج، المواطنة، المساواة، الاحترام المتبادل للأديان، القدس، الهوية الجامعة، التصدى المشترك للتحديات السياسية والاقتصادية والثقافية والمجتمعية التى تهدد مجتمعاتنا، الحضور الفاعل فى الواقع المجتمعى، قواعد الحوار بين أهل الأديان، العنف المجتمعى والإرهاب،...،إلخ.

ويمكن أن نرصد نصوصا مبكرة تعود لمطلع القرن العشرين مثل التى أطلقها البابا كيرلس الخامس عام 1908 من خلال منشور رعوى حول ضرورة الاهتمام بتنشئة الأطفال والشباب تنشئة سليمة من أجل الوطن. أو ما جاء فى خلاصة المؤتمر القبطى من تصورات مدنية من نخبة مسيحيى مصر حول بعض القضايا التى كانت مثارة آنذاك. إلا أن الانطلاقة المكثفة والمتتالية لهكذا نصوص نجدها وقد عرفت طريقها إلى المجال العام: السياسى والمدنى فى الستينيات. فنجد وثائق بيت التكريس القبطى التى وجهت إلى مجلس الكنائس العالمى مطلع الستينيات. والدراسة الشهيرة لأستاذنا الراحل وليم سليمان قلادة (القاضى والمؤرخ واللاهوتى ووكيل مجلس الدولة) والمعنونة: تحديات الفكر المسيحى والتى نشرت فى مجلة الطليعة اليسارية (التى أسسها ورأس تحريرها لطفى الخولي) التى كانت تصدر عن مؤسسة الأهرام فى ديسمبر 1966. ثم نشرت فى سلسلة كتب أصدرتها هيئة الكتاب عنوانها: فى المعركة، عقب حرب 1967. ونشر الكتاب بعنوان: الكنيسة المصرية تواجه الاستعمار والصهيونية. وكان فاتحة لنوعية من الكتابات تمثل تيارا وطنيا مؤثرا، مهما تمت الشوشرة أو الالتفاف عليه من الاتجاهات المتشددة دينيا وسياسيا. ولإنعاش الذاكرة التاريخية نرصد هذا الزخم الذى أنتجته النخبة المسيحية المدنية: المحسوبة على اليمين واليسار على السواء. والدينية بمذاهبها (لا نقول طوائفها) خلال فترة الإعداد لحرب 1973 بأقلام: مجدى نصيف، وكمال رمزى استينو، وميشيل فرح، ومراد كامل والبابا شنودة، والأنبا غريغوريوس، والأنبا يؤانس (أسقف الغربية الراحل)، والأب متى المسكين، والأب جورج قنواتى الدومينكانى، والقس فايز فارس،...،إلخ. وواصل الجهد التأسيسى السابق كل من: لجنة العدالة والسلام الكاثوليكية، ومجموعة التنمية الثقافية بأسقفية الشباب التى أصدرت سلسلة: الإيمان والثقافة والمجتمع (لم تزل تصدر حتى الآن)، والمركز القبطى للدراسات الاجتماعية الذى أصدر سلسلتي: دراسات المواطنة (صدر عنها خمسة كتب). وسلسلة الكنيسة والمجتمع (صدر عنها 4 كتب). ومنتدى حوار الحضارات بالهيئة الإنجيلية. بالإضافة إلى عدد لا حصر له من الإبداعات الفردية من قبل شخصيات مدنية عامة ورجال دين ونشير هنا إلى وثائق «مواطنون فى وطن واحد» التى صدرت ما بين 2007 و2010،...،إلخ.

ومع مطلع السبعينيات من القرن الماضى، وبالإضافة إلى كتابات: المطران جورج خضر، والأب يواكيم مبارك، والأب حنا قربان، وغيرهم، تشكلت فى لبنان كيانات دينية ومدنية واصلت اصدار النصوص ــ بشكل مؤسسى المتعلقة بالشأن العام مثل: الندوة العالمية للمسيحيين من أجل فلسطين عام 1970. ثم مجلس كنائس الشرق الأوسط عام 1974. وتوالت النصوص وتنوعت صورها كما يلي: أولا: رسائل رعوية لرؤساء كنائس المنطقة (1985، 1998، و2000، و2010). وثانيا: وثائق فكرية مثل التى صدرت عن: اللجنة اللبنانية للحوار، والفريق العربى للحوار الإسلامى المسيحى، والفاتيكان. ومؤسسة أديان بلبنان. وهناك وثيقة وقفة حق الفلسطينية.

الخلاصة، هناك حاجة ماسة لاستعادة الصالح من هذه النصوص المعنية بالشأن العام وإنتاج جديد يستجيب للمستجدات التى طرأت على المنطقة...وتحية لبيت المستقبل وللإعلامى سام منسى منسق اللقاء...وللكوكبة التى حضرت اللقاء... ولاهتمام السفارة المصرية...


طباعة   البريد الإلكتروني
0
0
0
s2smodern