«تحررنا الشيخوخة من أشد عيوب الشباب تدميرًا»...
وذلك لأنها باتت تملك «خطوطها الدفاعية المناسبة، ألا وهى الدراسة وممارسة الحكمة والعيش اللائق»...
(2)
ما إن عدت إلى منزلى، وجدتنى أسرع لمعرفة مضمون أصغر كتاب أحضرته معى (107 صفحات من القطع الصغير) ضمن مجموعة من الكتب. ولا أعرف ما الذى دفعنى إلى ذلك. هل لأن عنوانه المثير «فى مديح الشيخوخة» دفعنى ــ دون تفكير ــ إلى ذلك، ماسا حقيقة أعيشها وهو أننى بدأت، مؤخرا، طريقى نحو الستين...ربما!.
(3)
وزاد شغفى بنص الكتاب أننى اكتشفت أن كاتبه هو الفيلسوف والسياسى والخطيب والأديب الرومانى «شيشرون» (ولد فى عام 106 قبل الميلاد). وهو ممن قرأته مبكرا فيما عرف «بخطب شيشرون السياسية». حيث يعد من المفكرين السياسيين الأول الذين اهتموا بإشكالية العلاقة بين الدولة والمواطن. ومن الذين قالوا بأن: «بقاء الدولة متماسكة يرتبط بالاعتراف «بحقوق مواطنيها». والعمل على تأمين رابطة المواطنة بين مواطنى كل إقليم على اختلافهم. لأنهم هم مصدر شرعية الدولة وقانونها. وقوة سلطة الدولة تنبثق من قوة الأفراد مجتمعين». وهو ما وصفناه فى كتاباتنا «بالضرورة الدائمة فى تجديد رابطة المواطنة باعتبارها قاعدة انطلاق الدولة الحديثة والمجتمع الجديد»..
(4)
يأتى نص «الشيخوخة» لشيشرون، الذى ترجمه الأستاذ فتحى أبورفيعة، وقامت بنشره «مؤسسة بَتاَنةــ 2017» ليؤكد قيمة وأهمية الرجل فى الفكر السياسى. فعلى الرغم مما يبدو بأن النص يبعد عن كتابات فيلسوفنا وخطيبنا السياسية. إلا أن المقدمة التى كتبها المترجم تعكس مدى ثراء حياة «شيشرون». والذى يعتبره الدكتور أحمد عتمان (أستاذ الدراسات اليونانية واللاتينية والأدب المقارن) صانع عصره الأدبى، بحسب المترجم.. فلقد تلقى شيشرون تعليما جيدا. كما أدى الخدمة العسكرية. وأتته الفرصة ليلتقى بأهم فلاسفة عصره ألا وهو الفيلسوف «فيلو» وتتلمذ عليه. كما قام شيشرون بالتدريس الأكاديمى. ومارس السياسة عمليا. واختير كحاكم قضائى. واتسم بالعناد والتصميم تجاه الأرستقراطيين والنبلاء الذين أبدوا مقاومة شديدة لأن ينضم إليهم أو يشاركهم لعبة السياسة بالرغم من أنهم أعجبوا بثقافته الواسعة وفصاحته المؤثرة. ولكنه نجح بالأخير فى أن يخترق الطبقة العليا المغلقة. وكانت لديه القدرة على أن يعتزل الحياة العامة فى الأوقات التى يرى فيها بأن عليه أن ينسحب (أحيانا لأسباب سياسية وأحيانا لأسباب أسرية). لذا استطاع فى إحدى فترات الانسحاب وقد بلغت عامين أن ينتج ما يكاد يساوى «مكتبة فى الفلسفة»...واستطاع أن يحصل من الكنيسة الكاثوليكية «المبكرة بالوثنى الصالح» واعتبرت أن العديد من أعماله يستحق الحفاظ عليه كتراث للإنسانية. واُعتبر بالأخير، «نموذجا مضادا لفيلسوف البرج العاجى».
(5)
ويقول البروفيسور فيليب فريمان (1961) أستاذ الدراسات الكلاسيكية، خريج هارفارد، فى مقدمته للنص الإنجليزى الصادر مؤخرا عن جامعة برنستون، قد قرر أن «يسعى للنأى بنفسه عن الاستسلام للشيخوخة، محاولا أن يقدم عنها صورة أشمل. ولئن كان قد اعترف بما تنطوى عليه سنوات العمر الأخيرة من أوجه القصور، فقد قال إنه يمكن التعامل معها كفرصة للنماء والاكتمال فى ختام حياة سعيدة». فأبدع نصا فى مديح الشيخوخة فى فصول صغيرة تناولت الموضوعات التالية: «الحياة النشيطة». و«الجسم والعقل». و«ملذات العيش» فى مرحلة الشيخوخة. «ومباهج الزراعة». ومكارم الشيخوخة. ولا مدعاة للخوف من الموت.
ويخلص «شيشرون»، مما سبق، إلى كيف أن الشيخوخة، «فضلا عن أنها يمكن ألا تُشكل عبئا على المرء...يمكن أن تكون مصدرا للإمتاع».