لما قررنا فى تصميم أن نعتمد أخيرا على قوتنا، ونبنى حياة جميلة،
لم يضايقنا الكفاح والجهد.. لأنه تم بانضباط شديد والتزام كبير
وكان الجميع يتعاضد ككيان واحد من أجل النجاح.
(1)
سعدت جداً بتكريم الرئاسة للسيدة المعلمة المربية ليندا سليمان عطية، مديرة القسم الابتدائى لمدرسة «الإرسالية الإنجليزية» English Mission School؛ (أو كلية السلام بعد التمصير وإشراف المعاهد القومية عليها) خلال الفترة من مطلع الستينيات إلى مطلع الثمانينيات من القرن الماضى. وهى المدرسة التى كنت تلميذاً بها من عام 1964 إلى 1976... تشرفت بأن أتتلمذ عليها- تحديداً- خلال الفترة من 1964 إلى 1970... قبل الحديث عن «ميسز ليندا» من المفيد الحديث عن الواقع الاجتماعى الذى عملت فيه. فلقد كان الأمر أكبر بكثير من مجرد إدارة مدرسة بشكل نموذجى أو بحسب المعايير التعليمية المقبولة...
(2)
مثلت «كلية السلام»، شأنها شأن المؤسسات والكيانات التى أسسها الأجانب فى وقت مبكر، ثم تم تمصيرها ووضعها تحت الإدارة المصرية بعد الاستقلال، تحدياً كبيراً للمصريين... لماذا؟ يرجع ذلك لأسباب ثلاثة كما يلى: أولاً: إلى أى مدى سينجح المصريون فى إدارة هذه المؤسسات بنفس الكفاءة. والأهم، ثانيا: ضمان استمرارية نجاحها وتقدمها. والأخطر ثالثا: أن تكون العملية التعليمية مواكبة للزمن الجديد الذى كان يحمل الكثير من التطلعات والأحلام بالمستقبل الأفضل... لم تكن معركة إدارة كلية السلام بعيدة عن معارك أخرى كانت تخوضها مصر بالمصريين فى هذا المقام من: معركة إدارة «قناة السويس» وشركات الأجانب المختلفة، إلى معركة إدارة المشروعات الكبرى المُستحدثة... فلقد كانت كلها معارك متداخلة ومتشابكة ولابد من الانتصار فيها لأن الفشل فى أى منها يعنى فشل الحلم أو المشروع الكبير لمصر المستقلة الناهضة برمته... ومن ثم كان الأمر يستحق: «الكفاح والجهد»... فى هذا السياق، عملت «ميسز ليندا» تحت تحدى كيف تدير مدرسة عريقة تأسست عام 1936 وفق النظام التعليمى الإنجليزى الصارم بنفس الكفاءة. والأهم هو أن يكون مواكباً لاحتياجات المرحلة...
(4)
لم تكن «ميسز ليندا» مديرة منضبطة، وإنما كانت «حاملة لرسالة الانضباط التعليمى» (أو ما يعرف بـEducational Discipline)؛ فى زمن الحلم الكبير الستينى. الذى كانت واحدة من قيمه «الإنجاز عبر التعليم» والانخراط فى المشروع العام بدرجة أو أخرى. ومن ثم حرصت «ميسز ليندا» على تنفيذ العملية التعليمية «بحذافيرها»... فلا مجال للتراخى أو التكاسل من قبل أى من عناصر العملية التعليمية: المدرس، التلميذ، الأهل، الغدارة،... إلخ. وكانت تقدم المثل فى ذلك فكانت أول شخص يصل المدرسة وآخر شخص يغادرها... وكانت على صلة بأسر التلاميذ من خلال لقاءات دورية جادة. عنيت بالتفاصيل الصغيرة بداية من طابور الصباح، والزى المدرسى، والنظافة الشخصية، و«كانتين» المدرسة، وكيفية تناول الطعام، وأين، وباختيار المرسين وتقييم قدراتهم بصورة مستمرة، وبسلوكهم وبزيهم شأنهم شأن التلاميذ. لم تكن هناك ظاهرة الدروس الخاصة بالمطلق خلال هذه الفترة. إنما كانت هناك مجموعات تقوية. وكان الانضباط يعنى الاهتمام بحصص الأنشطة شأنها شأن المواد الأساسية مثل: الموسيقى، والألعاب، والزراعة، والتدبير، والمكتبة، والهوايات، وتصر أن تتم فى أماكنها. أى بانتقال التلاميذ إلى قاعة الموسيقى، وإلى الجيم، المكتبة، والمزرعة، والمسرح... إلخ. فلابد ان ينفذ كل شىء فى وقته وحينه بالكفاءة المطلوبة لتحقيق الأهداف التعليمية الموضوعة. فلم تكن أن تقبل بإلغاء حصة نشاط لصالح الرياضيات أو العربى مثلا. ولا مجال لأى تستيف مستندى. أو الإيهام بأن حصص النشاط تتم والحقيقة غير ذلك...«ميسز ليندا كرست حياتها »للانضباط«. وصارت كتلة بشرية حية تجسده... لذا وثق بها الأهالى وفوضوها بالمطلق فى إعمال الانضباط بلا أى مراجعة من أى نوع حتى وإن تمثلت فى إجراءات عقابية لأولادهم وبناتهم، خاصة أنها كانت تمارس رسالتها الانضباطية بعدالة تامة دون تمييز.
(5)
«الانضباط» هو الكلمة المفتاحية لشخصية «ميسز ليندا» وقد شاءت الظروف أن أعمل معها بعد تخرجى مباشرة (قبل أن أهجر تخصصى إلى تخصص آخر وإلى مؤسسة أمريكية) وكانت قد خرجت معاش وذهبت إلى إحدى مدارس اللغات الخاصة وكانت تجربة ذات سياق مختلف فى زمن مغاير (نتحدث عنها فى وقت من الأوقات)... تحية لـ«ميسز ليندا»- أمد الله فى عمرها- التى تعلمت منها الكثير...