سيستمر عدم الرضا فى الاعتمال، ولو كان متواريا، وينبنى الغضب، وسوف تتبعه موجة جديدة من الثورات والاضطرابات. لمَ؟ لأن أحداث 2011 تعد (وعدت) بواقع سياسى جديد.
(2)
«2011» هى سنة التحركات الجماهيرية الشعبية فى المدن والشوارع. فلقد خرج المواطنون فى كل من نيويورك، والقاهرة، ولندن، وأثينا... إلخ، يبحثون عن الحرية والعدالة والكرامة الإنسانية.. إنها سنة الأحلام الخطيرة: كتاب سلافوى جيجيك الفيلسوف السلوفينى.
(3)
سنة الأحلام الخطيرة، رؤية فلسفية تاريخية سياسية عميقة عن الربيع العربى، والصيف والخريف والشتاء غير العربى، بحسب سلافوى جيجيك 1949، الفيلسوف السلوفينى الذى يحظى بشعبية هائلة فى أوروبا، وخاصة لدى الشباب. والذى يعد أحد أهم فلاسفة أوروبا المعاصرين. ويتميز بثقافته الموسوعية وربطه الأفكار بالواقع، ما جعل شعبيته كبيرة فى أوساط الشباب. درس جيجيك الفلسفة، والتحليل النفسى، والسينما. ويعمل باحثا رئيسيا فى معهد السوسيولوجيا والفلسفة فى جامعة لوبليانا السلوفينية، وأستاذا فى المعهد العالى الأوروبى للدراسات العليا، ومديرا لمعهد بيركبك للعلوم الإنسانية فى جامعة لندن.
(4)
ينطلق «جيجيك» فى كتابه التحليلى للسياق التاريخى الراهن فى العالم من استدعاء عبارة فارسية:«ورنهام نهادن»، وتعنى: «أن تقتل شخصا، وتدفن جثته، ثم ترمى زهورا حول جثته لتُخفيها». وهو بهذه العبارة يضع إطارا عاما لتفسير ما جرى فى 2011، من تحركات ميدانية فى الربيع العربى أو حركة احتلوا وول ستريت أو اضطرابات المملكة المتحدة لجنون برايفيك (الذى قام بتفجيرات واغتيالات النرويج فى يوليو 2011).
فلقد كانت سنة الأحلام الخطيرة يحكمها اتجاهان هما: «أحلام متحررة» تحرك المتظاهرين فى نيويورك وميدان التحرير، وفى لندن وأثينا. و«أحلام هدامة» غامضة تدفع برايفيك والمتطرفين العقائديين والشعبويين العنصريين والفاشيين المستبدين والرأسماليين الشرسين إلى الحضور المضاد.
(5)
استخدم أصحاب «الأحلام الهدامة» أساليب متنوعة للقضاء على أصحاب «الأحلام المتحررة» منها: أولا: التحالف المؤقت مع هؤلاء المتطلعين للحرية ثم الانقضاض عليهم. ثانيا: إعادة توظيف الأيديولوجيا المهيمنة لتحييد البعد الحقيقى للأحداث. لهذا يقول «جيجيك»: «ألم يكن رد الفعل المسيطر على الإعلام بالضبط نوعا من الورنام نهادن؟ أى أن إعلام الأحلام الهدامة قام بقتل عمدى مُمنهج للتحرر الجذرى الكامن فى الأحداث، أو شتت تهديدها نحو الديمقراطية، ثم نمو الزهور حول الجثة المدفونة... بلغة أخرى فإن القوة الراغبة فى الحرية والكرامة والعدالة الحديثة البازغة قد خنقتها القوى الاستبدادية والتقليدية القديمة (من الليبراليين واليساريين والدينيين والمنتظمين فى مؤسسات على السواء).
وفى هذا المقام يقدم جيجيك تحليلا اقتصادياـ اجتماعيا متميزا يضىء الكثير مما يطلق عليه: الصراعات المُشفرة. (يمكن الرجوع إلى الطبعة الإنجليزية طبعة فيرسو- 2012 أو الترجمة العربية لدار التنوير ترجمة أمير زكى- 2013).
(6)
إن أصحاب الأحلام المتحررة قد بدأت معاناتهم تتنامى وتتزايد بفعل تناحرات اجتماعية وانقسامات مجتمعية متنوعة. وبدأوا يتضررون من هيمنة الاستبداد بأنواعه: الدينية، والسياسية، والاقتصادية، فكانت حركتهم الميدانية محاولة احتجاجية سلمية عليها كذلك كانت محاولة لتحديث الواقع وتجديد مؤسساته. إلا أن هذا الاستبداد المركب هادنهم تارة، وناورهم تارة أخرى، وبالأخير انحاز لمصالحه بغض النظر عن أية صراعات داخل هذا المركب الاستبدادى. والأخطر بحسب جيجيك أن هذا المركب الاستبدادى كان مرتبطا ارتباطا وثيقا بمصالح الرأسمالية العالمية. وأن هناك خطا ممتدا يربط بين أصحاب الأحلام التحررية من مواطنى وجماهير وول ستريت وميادين دول العالم.
كما أن خصمهم واحد.. إن الحالمين التحرريين- بحسب جيجيك- أو المستبعدين من الشراكة فى الثروة والسياسة والصعود الاجتماعى- لسبب أو لآخر- هم الذين تعرضوا لإهمال طويل وإنكار دائم وإقصاء تعسفى عبر عقود. ومن ثم احتجوا وتحركوا، واستوعبوا. ولكن بالرغم من استيعابهم، فالحلم لم يزل حاضرا وتكرار الخروج لا يزال قائما.. نعم قد يقفز الدينيون عليها ليختطفوها مرة أخرى، ولكن جيجيك يثق بأن الدرس، قد تم إدراكه وأن أصحاب الأحلام المتحررة سوف يحمون أحلامهم فى المرة القادمة، وأن النواة التحررية الجذرية ستكون أكثر وعيا.. ونواصل مع رؤية أخرى فى مقال الأسبوع القادم.