جمع «على نجيب»، فى شخصيته، كما رأينا، بين الرؤية الفكرية وفهم المجتمع وبين الخبرة العملية. وحاول على مدى عمره المديد أن يوظفهما لصالح مصر وتقدمها. لذا أطلقنا عليه صفة «الخبير المثقف الوطنى». لنميزه عن «الخبير الموظف». فالأول يقدم علمه ومعرفته فى إطار رؤية تنموية وطنية شاملة. بينما الثانى: «صنايعى».. الأول: «الخبير المثقف الوطنى» يعنيه كثيرا: التاريخ الوطنى لبلاده، الواقع الاجتماعى، ودرجة التطور المجتمعى، والمواطنين على اختلافهم وتطلعاتهم، والصالح العام، والحفاظ على المسار التصنيعى الوطنى من أى إفساد أو إعاقة أو تحكم خاصة إذا ما كان يأتى من الخارج. كما يحرص على تطوير نفسه معرفيا وليس تقنيا فقط، إيمانا بأن المعر
فة والاطلاع على تجارب الآخرين تختصر مسار التقدم وتحميه من العبث.. بينما الثانى: «الخبير الموظف» فلا يهمه إلا أن تبقى «الماكينة شغالة»، بغض النظر فى أى اتجاه يصب عائد تشغيلها. وأحيانا يقبل بتعطيل مسار التقدم لصالح الخارج. ويقينا لا يكون معنيا بالصالح العام ولا حق وطنه عليه. وهذه هى سمة «الخبير الموظف» وخاصة فى زمن الليبرالية الجديدة...
(2)
أمضى على نجيب مخلصا للنموذج الأول- بامتياز.. ولم يكتف بذلك وإنما وثق وسجل تجربته كرجل صناعة (فى مجال الكيماويات) من خلال مجموعة من الدراسات الرائدة والمرجعية من جهة. ومجموعة من الكتب أقرب إلى السيرة الذاتية واليوميات فى غاية الأهمية من جهة أخرى.. ونرصدها كما يلى: أولا: فيما يتعلق بالدراسات نشير إلى: «كراسة فى تصنيع مصر(مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام). و«مدخل إلى دراسة رأسمالية الريع»(دار العالم الثالث). و«كتابات فى الاقتصاد والمجتمع»(دار العالم الثالث). و«رأى فى الثورة الوطنية: عن ثورة يوليو والتحولات الاجتماعية فى مصر»(العربى للنشر والتوزيع). ثانيا: فيما يتعلق باليوميات نذكر سيرته الذاتية: «حكايات إنسان فى سلام مع نفسه»(دار الثقافة الجديدة). و«يوميات الهزيمة:9 و10 يونيو 1967»...
(3)
محصلة هذه الكتابات تؤكد لنا أننا أمام رجل جمع بين «المعرفة الرفيعة» و«الخبرة الممتدة».. فلقد حاول من خلالها أن: أولا: تصور رؤية للتصنيع المصرى. ثانيا: فهم طبيعة المرحلة وتحليلها وفك رموزها وطلاسمها خاصة فيما يعوق انطلاق مصر تصنيعيا. وأدرك أن «الاقتصاد الريعى الاحتكارى» له من الآثار السلبية المعوقة لأى تقدم. ولم يكتف بذلك بل درس كل مراحل العملية الاقتصادية من: نظريات التجارة الخارجية. والتجارة غير المتكافئة. وتأثير هيكل الأسعار العالمية على الدول المتخلفة. ومدى إمكانية التنمية فى ظل عدم التكافؤ. وعلاقة السلعة بقيمة العمل. وأثر التكنولوجيا واحتكارها على تطور التصنيع فى بلادنا...،إلخ...وثالثا: ربط بين الخلفية الفكرية وتجربته العملية فى مجال الكيماويات على مدى عقود فى القطاعين العام والخاص. وفى هذا المقام نجده يرصد تفاصيل صغيرة مهمة عن الجهاز الإدارى من حيث: تعاقداته، ولوائحه، وعلاقاته الداخلية، وعلاقة الوزارات/الجهات المختلفة فى إطاره، وعلاقته بالشركات الأجنبية الاحتكارية، ومؤامراته الخفية، ومصادر الفساد،...،إلخ...ويقينى أن هذه الكتابات تمثل فيما بينها «خلفية هامة» لكل من يريد فهم ظاهرة التصنيع فى مصر: فكريا وعمليا.. بلغة أخرى أظن أن ما حرص على توثيقه وتأصيله «على نجيب» لا غنى عنه عند التصدى لتحديث مسيرة التصنيع فى مصر. وبخاصة فى مجال الكيماويات فى شتى المجالات: الصباغة، والدواء،...،إلخ. فكتاباته فى هذا السياق تمثل مرجعا مهما...وهو نفسه شهادة حية لتجربة تاريخية هامة تم حصارها لسبب أو لآخر...
(4)
على نجيب هو واحد من سلسال الإبداع المصرى. يقدم فى شخصه وحياته النموذج المثالى المبدع والمؤمن «بمصر التصنيع» الوطنى، الإنتاجى والمعتمد على ذاته والمتحرر من «تدخلات الخارج»...تحية لعلى نجيب...أحد خبراء التصنيع الوطنيين المصريين الكبار. والذى دافع وناضل من أجل مصر قوية حديثة...