«هناك أشخاص ساهموا فى رسم ملامح هذا البلد وتاريخ حياة سكانه، دون أن يحصلوا على نصيبهم من الضوء والمحبة والاعتراف بالفضل».. بهذه الكلمات يقدم الكاتب والأديب الموهوب عمر طاهر كتابه «صنايعية مصر: مشاهد من حياة بعض بناة مصر فى العصر الحديث». الذى نشر مطلع هذا العام عن دار الكرمة. حيث يعرض لعدد من الشخصيات المصرية التى «صنعت شيئاً» مفيداً وجميلاً فى حياة المصريين. كذلك بقى مؤثراً فى حياة المصريين.. وتأتى أهمية الكتاب فى أنه يذكر المصريين، خاصة الأجيال الشابة منهم، بأن هناك من تعب وكد واجتهد فى سبيل هذا الوطن. ولا يمكن أن تنطلق أمة دون أن تكون ذاكرتها حية. وأنه لا مستقبل بغير ماض. لأن التقدم- أى تقدم- يقوم على التراكم. تراكم نضال المواطنين من أجل الاستقلال والحرية والعدالة والتنمية.
(2)
فى هذا المقام، اختار عمر طاهر أكثر من ثلاثين شخصية، ممن ينطبق عليهم وصف «الصنايعية». واتسمت خياراته بعدة ملامح كما يلى- أولاً: عدم نمطية الاختيارات. فهناك شخصيات ربما سوف يقرأ عنها المصريون لأول مرة، رغم أنهم تركوا بصمات لا تنسى. ثانيا: تنوعت اختيارات الكاتب بين صنايعية أنجزوا لمصر فى مجالات: الصناعة، والعسكرية، والبهجة من فن وأدب وثقافة، والرياضة، والهندسة، والإدارة، والمهن الرائدة، والإعلام.. إلخ. ثالثا: قدم عمر طاهر هؤلاء الصنايعية بأسلوب مشوق ورشيق للأجيال الجديدة. فلم يركز على السيرة الذاتية للشخص بقدر ما ركز على الجديد الذى قدمه «الصنايعى» وأهميته التاريخية فى حياة المصريين.
(3)
قدم عمر طاهر الصنايعية التالين: فى مجال الصناعة حمزة الشبراويشى صنايعى كولونيا الـ555. وتومى خريستو صنايعى الشوكولاتة. ومحمد سيد ياسين صنايعى الزجاج. جوزيف ماتوسيان صنايعى السجائر. وفى مجال الهندسة والبناء ناعوم شبيب صنايعى برج القاهرة. ومحمد كمال إسماعيل صنايعى مجمع التحرير والحرمين الشريفين. وفى المجال العسكرى باقى زكى يوسف صنايعى الطفاشة. وفى مجال الفن أندريا رايدر صنايعى الموسيقى التصويرية. وبديع خيرى شريك العنصرين. وفطين عبدالوهاب صنايعى الونس. والضيف أحمد صنايعى ثلاثى أضواء المسرح. وفتحى قورة صنايعى الغُنا. وتحدث فى هذا المجال عما أطلق عليهم «صنايعية الست» أو عن أعضاء الفرقة الموسيقية التى كانت تصاحب أم كلثوم على مدى نصف قرن وأدوارهم الريادية. وفى مجال المهن الرائدة أنيس عبيد صنايعى ترجمة الأفلام الأجنبية. صيدناوى صنايعى أناقة المصريين. أبلة نظيرة نيقولا صنايعية مطبخ مصر. جمال الليثى صنايعى الفيديو. نجيب المستكاوى صنايعى الصحافة الرياضية. وماما لبنى صنايعية ميكى وسمير. وعاطف منتصر صنايعى الكاسيت وأغانى مصر الجديدة. وفى مجال الخدمات والمهن كلوت بك مؤسس الطب فى عموم مصر. والنبوى المهندس صنايعى صحة مصر. وفى مجال الإعلام سعد لبيب صنايعى تليفزيون مصر. وصفية المهندس سيدة التاسعة والربع صباحاً. وسناء البيسى صنايعية الصحافة النسائية. وفى المجال الدينى الشيخ مصطفى إسماعيل صنايعى السلطنة. والشيخ سيد النقشبندى صنايعى الإنشاد.
(4)
وحرص عمر طاهر أن يقدم أشخاصاً احتلوا مناصب عامة، وقدموا الكثير للمواطنين المصريين. وهو هنا يؤسس لتقليد طيب يكرم به الذين أنجزوا فى مجال الإدارة الحكومية. فقدم وجيه أباظة صنايعى «شغلانة» المحافظ. وصدقى سليمان صنايعى السد العالى. واللواء أحمد رشدى صنايعى الأمن والانضباط. وحكمت أبوزيد صنايعية الشؤون الاجتماعية. والنبوى المهندس صنايعى صحة مصر.. وأخيراً، وقد صعب على أن أضعه فى أى من التصنيفات السابقة. يأتى أبورجيلة صنايعى الحرب والأتوبيسات وكرة القدم.
(5)
قرأت «الصنايعية» فى أقل من أسبوع. وأدركت ماذا يعنى أن يكون المرء «صنايعياً»، أى يصنع شيئاً يصبح علامة فى تاريخ الوطن. وقيمة أن تكون أول الصناع فى مجال من المجالات. وأن يؤرخ بما تم صنعه بأنه علامة فارقة: قبل وبعد. أى قبل صنعه لم يكن لدينا، وبعد صنعه أصبح لدينا ما نعتد به. وكيف أن استعادة سير الصنايعية وإبداعاتهم هى طاقة مطلوبة لنا جميعا تدفعنا إلى العمل والإبداع والانطلاق.. وطرق أبواب إبداعية وصناعات جديدة... «صنايعية مصر» شىء «مفرح وممكن».. تحية لعمر طاهر الذى جدد ذاكرتنا التاريخية وأنعشها بشخصيات رائدة ومتميزة ومبدعة.. نواصل.