(1) «اللحظة الدستورية»، تعبير ورد فى الأدبيات الدستورية المعتبرة.ويمكن القول بكل ارتياح إن أول من استخدمه فى سياقنا المصرى هو أستاذنا الراحل العلامة المؤرخ والفقيه القانونى وليم سليمان قلادة. وقد سمعته منه لأول مرة منذ أكثر من 20 عاما. وحلمنا آنذاك بأن يأتى اليوم الذى يحدث فيه ما يجعلنا نعيش لحظة دستورية. واللحظة الدستورية – ببساطة – هى اللحظة التاريخية التى يستطيع فيها المواطنون – على اختلافهم – أن ينجزوا إنجازا نضاليا على أرض الواقع يحتاج إلى أن يتم تسجيله فى وثيقة وطنية من جهة، كذلك ترجمة هذا الإنجاز إلى مبادئ وقواعد وآليات يتم العمل بها على مدى زمنى مستقبلى.
(2) وللتيسير على القارئ الكريم، فعندما بدأ المصريون من خلال مجلس شورى النواب يمارسون صلاحيتهم الدستورية فى مراجعة الحاكم ومواجهة الرقابة الثنائية البريطانية الفرنسية على مصر والتى تسبب فيها حاكم رهن محصول مصر الزراعى الرئيسى قبل زراعته. فهنا نحن أمام حدث تاريخى ونقطة تحول وطنية غير مسبوقة لابد من أن تسجل ولابد أن تتغير قواعد اللعبة السياسية وفق هذا الحدث. هذه هى بالتحديد اللحظة الدستورية.
(3) لذا ليس غريبا أن تبدأ المسيرة الدستورية المصرية ويبدأ تكون تراث دستورى مصرى رفيع المستوى. فلقد توالت الأحداث التاريخية واللحظات النضالية غير المسبوقة ومن ثم اللحظات الدستورية. الوقوف أمام الحاكم وتحديه، تفويض القوى المدنية بإدارة شؤون البلاد. كلها لحظات تحول تاريخية أعقبتها لحظات دستورية اجتهدت فى تسجيل الحدث والتفكر فى المبادئ التى يتم استخلاصها وترجمتها إلى قواعد تعاش وتكون محل توافق لا استقطاب بهدف توفير السعادة المشتركة للجميع الذين شاركوا معا فى بلورة اللحظات التاريخية المتميزة.
(4) وهنا يقول وليم سليمان قلادة (فى مرجعه الأم: المواطنة المصرية.. حركة المواطنين نحو المساواة والمشاركة – 2011) ما يلى: «وبهذا تكون اللحظة الدستورية بمثابة الشاخص الذى يستهدى به مسار حركة الشعب كهدف مستقبلى يسعى للوصول إليه. وإذ يجرى ربط النص بمسار الحركة التى أدت إليه، تظهر جوانبه الخفية التى قد لا تكشف عنها القراءة الآنية القانونية له، وتتجلى أعماق النص وإمكانياته، إذ يتبدى فى وضوح المنطق الذى اعتمده الشعب وهو يجهد للوصول إلى هدفه…».
(5) بهذا المعنى (وكما أشرنا فى سلسلة المقالات التى كتبناها تحت عنوان دستوريات من قبل)، فإن «النظام الدستورى الأصيل والفعال لا يقوم فى الجماعة الوطنية بمجرد إعلان وثيقة تتضمن نصوصا موضوعة أو مستوردة من المكان أو الزمان، ينهض بصكها خبراء الصياغة، … كما أن الدستور ليس مجرد نتيجة تستخلص من بناء نظرى…».. ونزيد : وليس الدستور نصا يستدعى من هنا أو هناك أو من الماضى. وإنما هو نص يتشكل وفق التطور المجتمعى وإنجازات حركة المواطنين من أجل بناء مستقبل أفضل.
(6) بهذا المعنى لابد من أن تكون 25 يناير حاضرة فى النص الدستورى… وإلا نكون قد أضعنا اللحظة الدستورية التى تجلت فى الواقع وذروتها إسقاط الحاكم تحت مظلة شعارات لها دلالاتها الثورية… كيف؟ ونواصل الأسبوع القادم…