في تعليق لإحدي الباحثات عما جري في25 يناير2011 قالت: الثورة تقوم في سياقها, وكل ثورة تخلف بصمتها الخاصة والمتميزة, ودراما الثورة الواحدة تختلف عن دراما غيرها من الثورات, ولو تزامنت أو تعاقبت, وكل ثورة لها أبطالها وأزمانها.
وتفترض كل منها رواية خاصة بها في معزل عن الأخريات. ونستطرد وفق ما سبق ونقول: إن دراما الثورة الواحدة قد تأتي في فصول متصلة أو منفصلة علي حلقات وفي دورات أو موجات. وفي دراستنا المطولة,ـ قيد الانتهاء, حول: الطبقة الوسطي و25 يناير, أشرنا مبكرا, إلي أن ما جري في يناير2011, هو الموجة الأولي من الحراك الشبابي الشعبي الثوري…أي أنها مجرد فصل أول في دراما الثورة, يعقبه فصول أخري, خاصة إذا ما حاولنا تحليل مضمون هذا الفصل.
كانت الموجة الأولي/ الفصل الأول من الثورة, تعبيرا عن حركة الطبقة الوسطي بشرائحها الثلاث. أطلقتها الطليعة الشبابية الرقمية ولحق بها باقي الجسم الاجتماعي من الطبقة الوسطي بشريحتيها الوسطي والدنيا. وساندتها الطبقة الخطرة من الفقراء والمهمشين وساكني احزمة المدن. نجح حراك يناير في خلخلة البنية السياسية المصرية. وذلك بإحداث اختلالات في منظومة علاقات القوة التي ظنت النخبة الجديدة(نخبة الليبرالية الجديدة) بأنها قد سادت وباتت أمرا واقعا لا يمكن تغييره واهها السبيل الوحيد للنهوض بمصر, إلا أن النتيجة هي الوصول بمصر إلي مجتمع الخمس واحتكار الثروة في أيدي القلة الثروية وغياب التوزيع العادل للثروة العامة للبلاد. وعليه تم رفع الغطاء عما أطلقت عليه شبكة الامتيازات المغلقة,وكسر الغطاء الحامي لها من سلطة سياسية وقوة مادية, وإتاحة الفرصة لشرائح اجتماعية أن تعبر عن نفسها سياسيا ولأخري أن تطالب باستعادة العدالة وتكافؤ الفرص بين المواطنين. ولأننا تصورنا ان حركة المجتمعات هي عملية هندسية/ أو معملية, تسير وفق خطط ورسومات سابقة التجهيز في غرف ومعامل مغلقة وفق تصورات البعض بمعزل عن التفاعلات الحية للجسم الاجتماعي, فإننا شهدنا هذا الصدام بين الشرعيات الذي ظل حاضرا علي مدي المرحلة الانتقالية الأولي التي بدأت في مارس2011 وانتهت بالانتخابات الرئاسية في يونيو.2012 وتأجج هذ الصدام في المرحلة الانتقالية الثانية وخاصة بعد الإعلان الدستوري الذي سجلت أنه لم نكن في حاجة إليه وأنه سوف يؤدي إلي استقطاب حاد علي أرض الواقع. ولم نتنبه إلي أن المرحلة الأولي من التحول كانت متعثرة والثانية باتت مأزومة.
إن الأمر لا يستقر بمجرد السير في عملية ديمقراطية إجرائية. وإنها كفيلة بأن تنهي دراما الثورة. وقادرة علي حل صدام الشرعيات. الأكثر لم يتم ادراك إن استعادة نفس السياسات التي ثارت عليها الطبقة الوسطي في25 يناير ذات الطابع الإصلاحي والتي تسير في نفس النهج الاقتصادي…يضاف إلي ما سبق غياب الرؤية التحليلية لمجموعة من العناصر لفهم طبيعة الحراك الذي انطلق وكيف يمكن التعاطي. عناصر من عينة:شبكة العلاقات الاجتماعية, أنماط الانتاج, والشرعية, وبنية الدولة كيفية تحديث مؤسساتها,ومنظومة الحقوق والحريات, ونموذج التنمية القائم والمأمول, ومنظومة القيم الثقافية النمطية والتقليدية البالية وكيف يمكن تجديدها. الخ.
تعاملت السلطة مع25 يناير باعتبارها هبة وأنه يمكن إعادة كل شيء إلي أصله. كي يحدث الاستقرار ومن ثم يأتي الاستثمار. لم ندرك أن هناك تحولات كبري جرت في مصر نوجزها في أربعة أمور وذلك كما يلي: التحرك القاعدي للمواطنين, ومواجهة النظام الأبوي, وإسقاط القداسة والعصمة عن السلطة/ الحاكم, وأخيرا إسقاط الشمولية. وكان ينبغي أن تتم الاستجابة لهذه التحولات, خاصة وأن المحرك العضوي لهذه التحولات هم الشباب, أو الكتلة الجديدة الطالعة التي برزت بشكل لافت في الجولة الأولي من الانتخابات الرئاسية والتي عكست رغبة هذه الكتلة الجديدة الطالعة في أن تميز نفسها عن القوي القديمة التقليدية. وبدت السلطة الجديدة تبحث عن محاولة لضبط الحراك المجتمعي فكان الإعلان الدستوري, والتحرش بالسلطات. وبدا الأمر وكأن النخبة الجديدة تعمل علي تحجيم المعارضة السياسية,وتخفيف الصراعات الطبقية تحت راية أيديولوجية جامعة, وإظهار الأمر وكأنه صراع بين دينيين ولا دينيين, أو الدفع بالصراع الديني والمذهبي. ولم تفلح كل الجولات الحوارية في استيعاب أن هناك حركية مجتمعية جديدة قوامها الشباب لا يمكن أن تقبل استعادة تشريعات مقيدة للحريات…ولا يمكن أن تقبل بما هو أدني مما طالبوا به في التحرير.
فكانت تمرد, التي عبرت عما حذرت منه أكثر من مرة الا وهو الغضبة الكبري, والتي مضمونها أن المصريين يستحقون الكثير والكثير دون التفريق بينهم. فكتبت فصلا جديدا في دراما الثورة المصرية, مؤكدة ـ إذا ما استعرنا توفيق الحكيم في عودة الروح.. تحرك الموكب العظيم فتدفقت موجاته تباعا…