(الدساتير وتقدم الأوطان: السياقات والتجليات (إطلالة سوسيو ـ تاريخية لأربعة أجيال دستورية)

54

تمهيد

ـــــــــــــــــــ

"لا معنى للدساتير ما لم تحُدث فرقا...

فالدستور الذي لا يعبر عن الجديد الذي تأتي به لحظات التغيير التي أنجزتها الشعوب، أو لا يلبي طلبات المواطنين في إعادة بناء مؤسسات وبنى وهياكل وتجديدها، أو يراعي تجسيد كل ما ثار عليه المواطنون مباشرة أو ضمنا، أخذا في الاعتبار أن يأخذ جديد الموجات الدستورية الكونية في الاعتبار من جهة والتراث الوطني الدستوري في ذروته من جهة أخرى... سيكون علي هذا النص الدستوري المنتج ـ أو بالأحرى على منتجيه ـ مواجهة أزمة كبرى. ومن ثم نصبح جميعا بسبب هذا الدستور  في مأزق إذا ما استعرنا عنوان كتاب جون فن...والعكس صحيح.

وبدلا من أن يصبح الدستور سببا لإحداث فرقا في حياة الشعوب نحو الأفضل، ومن ثم يجد كل مواطن أحلامه وطموحاته منصوص عليها في الدستور بما يضمن تحقيقها. نجد الدساتير قنابل موقوتة في حياة الشعوب حيث تكون أساسا للاحتراب لا التوافق، أو تكون دساتير من ورق... والسؤال ما هي العوامل التي تجعل الدساتير تحدث فرقا؟ ومن ثم تدفع بتقدم المجتمعات/الدول...

ولأننا نعيش حالة دستورية منذ تعديلات 2005 وإعلانات دستورية ومحاولات لإعداد وثيقة دستورية تكون معينة لمن يتصدى لإعداد الوثيقة رسميا...

    خاصة بعد الموجة الأولى  من الحراك الشبابي الشعبي الذي انطلق مع 25 يناير والذي اعقبته موجة ثانية في 30 يونيو 2013 تجسيدا لفصلين متعاقبين ـ حتى الآن ـ من دراما الثورة: "الحراك" و"التمرد"...وعليه لابد من التأصيل للمسألة الدستورية انتظارا للحظة الدستورية الملائمة التي يتحقق فيها التوافق الوطني بمعناه الدقيق.

   للإجابة، سوف نبدأ بحثنا بمحاولة ـ ربما تكون غير مسبوقة في الأدبيات العربية  ـ لاقتراب تأسيسي معرفي من :

أولا: أنواع الدساتير والعوامل الحاكمة للمنتج الدستوري ونوعه،

ثانيا: المسار التاريخي للدساتير والتي من حصادها: أربعة اجيال دستورية،

ثالثا: المعايير الحاكمة للدستور العصري.

 

أولا:

أنواع الدساتير والعوامل الحاكمة للمنتج الدستوري ونوعه

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

     عرفت الإنسانية عبر تاريخها ثلاثة أنواع من الدساتير. الأول: هو "دستور ولي الأمر "(أو أفندينا)، حيث يبادر الحاكم ـ لسبب أو لآخر ـ بالدعوة لوضع دستور جديد للبلاد، حيث يضع فيه رغباته وتقوم بصناعته السلطة بالكامل من الألف إلى الياء. والثاني "دستور الغلبة" حيث تستأثر جماعة ما أو فئة بوضع الدستور ليعبر عن رؤيتها الخاصة لحكم البلاد خارج التوافق الوطني وتفرضه رغما عن إرادة القوى الوطنية الأخرى. أما النوع الثالث من الدساتير، فهو "دستور الحركة الوطنية" وهو الذي يأتي معبرا عن حركة المواطنين وتطلعاتهم، على اختلافاتهم، من أجل تقدم البلاد، كرغبة وطنية عارمة وحدت هؤلاء المختلفين فحركتهم معا للنضال في مواجهة الظلم: الاقتصادي والاجتماعي والتمييز الثقافي والديني والاستبعاد السياسي والمدني، وعليه تدفع هذه الحركة النضالية المشتركة الجامعة  إلى "اللحظة الدستورية"،حيث يتم التعبير عن الحركة النضالية في دستور للبلاد يكون بمثابة بوصلة حاكمة للمسيرة المستقبلية للوطن إنها لحظة تتويج للمواطنة الفعل. 

      والسؤال الذي يطرح نفسه، في ضوء ما سبق، هو ما الذي يتحكم في تحديد نوعة الدستور. يمكن القول، أن الذي يحدد نوع الدستور هو توازن القوى السائد أو ما يمكن أن نطلق عليه جدلية السلطة والمواطنين. فبقدر ما تميل موازين القوى إلى الحركية المجتمعية بما تضم من مواطنين تحركوا وناضلوا من أجل حقوقهم في مواجهة سلطة ضيقة ومغلقة بقدر ما يكون المنتج الدستوري معبرا عن المواطنة بالمعنى الواسع للكلمة: أي قاعدي ومحققا لتطلعات المواطنين بدرجة أو أخرى. والعكس صحيح، بقدر ما تنحاز موازين القوى إلى السلطة على حساب الحركية المجتمعية المواطنية بقدر ما يأتي الدستور سلطويا وفوقيا.

     مما سبق يمكن أن نضع دساتير مثل: الماجنا كارتا(1215)، ودستور الثورة الفرنسية في خانة دساتير الحركة الوطنية، وفي مصر يمكن ان نضع دستور 1923 في هذا السياق. أما دستور ولي الأمر فإن دساتير: إيطاليا (1848)، واليابان (1889)، وروسيا(1906)، وفرنسا (1914) تدخل في نطاقه، ويضاف إليها دستور 1971 في مصر. وأخيرا يمكن تصنيف دستور 2012 ـ بامتيازـ باعتباره دستور الغلبة (الذي وصفناه بدستور ما بعد منتصف الليل).

ويلخص الشكل التالي أنواع الدساتير ويقدم أمثلة لها.

 shape 1 53

ثانيا:

 المسار التاريخي للدساتير: أربعة اجيال دستورية:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

     مرت الحركة الدستورية بأربعة أجيال على مدى التاريخ. الجيل الأول هو جيل: الدساتير التأسيسية مثل الدستور الفرنسي والأمريكي والإسباني. أما الجيل الثاني من الدساتير فيمكن أن نعرفه: بدساتير الدول المستقلة حديثا بعد الحرب العالمية الثانية. ويأتي الجيل الثالث من الدساتير عقب تفكيك الاتحاد السوفيتي ويشمل: دول أوروبا الشرقية بالأساس. وأخيرا يطل علينا الجيل ارابع من الدساتير، مع مطلع اللفية الثالثة، وهو الجيل الذي انطلق معبرا عن صعود القوى الجديدة مثل: الهند، والبرازيل، وتركيا، وجنوب إفريقيا، وماليزيا، والإكوادور...ولا يعتبر هذا التقسيم مجرد تقسيما كرونولوجيا لمسيرة الحركة الدستورية فقط. بل هي محاولة لدراسة ملامح كل جيل دستوري وما يطرأ عليه من تطورات ومستجدات من حيث: فلسفة الكتابة الدستورية، وبنية النص الدستوري وتوجهاته، والتبويب،...الخ.

    بداية، لابد من إدراك أن الكتابة الدستورية، شأنها شان أي حقل معرفي، تتطور بفعل الحيوية المجتمعية والعلمية المتجددة...لذا تطورت الدساتير وتحررت من الكلاسيكية التي تقيدها...لذا أصبح لدينا أربعة أجيال من الدساتير. فما هي أهم الملامح التي تميز كل جيل من هذه الأجيال الدستورية؟

   ركز الجيل الأول على الجوانب المدنية والسياسية والحريات والحقوق ونظام الحكم مثل:الدستور الفرنسي والأمريكي. كما اهتم بالأفكار التأسيسية مثل : حقوق المواطن والحرية والإخاء والمساواة،...وعني الجيل الثاني الذي ظهر بعد الحرب العالمية الثانية بضبط المجتمع وتهيئته للمستجدات البازغة فعمل على مأسسة الأفكار التأسيسية وتقييد السلطة/ الحاكم والالتزام بشرعة حقوق الانسان ومبادئها الكونية وبخاصة في مرحلتها الأولى، ويمكن أن نأخذ دستور اليابان نموذجا...ثم أتى الجيل الثالث ليعلن مولد المجتمع المدني ودوره كشريك في إدارة الدول وذلك بعد تفكيك الاتحاد السوفيتي، فجاءت نصوصه تحاول أن تضمن الحركة الصاعدة لتشكيلات وتكوينات المجتمع المدني وتؤمن لها الانطلاق وتكرس مفاهيم من عينة: اللامركزية والديمقراطية التشاركية من القاعدية...وأخيرا ولد الجيل الرابع مع انطلاق دول من الصفوف الخلفية إلى الصفوف الأمامية مثل: الهند والبرازيل وماليزيا وتشيلي وجنوب إفريقيا...

    والقارئ للجيل الرابع من الدساتير  سوف يجد أصحابه وقد أبدعوا من حيث المنطق الذي يقوم عليه الدستور، وتقسيم الأبواب، والأولويات التي يتم التوافق عليها بحسب ظروف كل بلد، والحرص على الاطلاع على جديد المفاهيم والمعارف والحقائق في العالم، فجاءت الدساتير مواكبة للعصر. وعليه وجدناها تزخر بالكثير والكثير من إبداعات العقل الدستوري.وتجتهد في التفصيل وبشكل مؤسسي /قانوني /حداثي كل ما يتعلق بحياة المواطن وكيف تكون الدولة من جانب والمجتمع المدني بتشكيلاته المتنوعة من جانب آخر(المتجاوزة الحزب والجمعية إلى جماعة الضغط والتحالفات والحركات والروابط والاتحادات،...الخ) في خدمة المواطن وعلاقاته المجتمعية المتشابكة: علاقات العمل والانتاج والمشاركة بأنواعها...الخ.

ويلخص الشكل التالي مسيرة الأجيال الدستورية وملامحها...

shape 2 53

وعليه فاق هذا الجيل الرابع ـ يقينا ـ الدساتير السابقة عليه، وتجاوزها بالكامل من حيث:

  • النسق العام للنص الدستوري،
  • شمولها على موضوعات غير نمطية،
  • الاهتمام بوجود فلسفة أو فكرة وراء المبدأ الدستوري تتسق والتوجه العام السياسي والاقتصادي والثقافي والاجتماعي للدولة،
  • الربط بين المبدأ الدستوري والإطار القانوني له قدر الإمكان ما يقلل أي تلاعب عند وضع القوانين لاحقا مما قد يفسد المبدأ الدستوري أو يشوهه أو يقيده على عكس إرادة الشعوب،
  • مواكبة جديد المواثيق الحقوقية،

    مما سبق يمكن القول، أن وضع الدساتير ليس صنعة يقوم بها  "صنايعي"،أو أكثر، وإنما هي "عملية" وطنية يضلع فيها كل ألوان الطيف الوطني. وتكون مناسبة لتجديد المعارف القومية بمجالاتها المختلفة: علم السياسة، وعلم الاجتماع، والفقه واللاهوت والفلسفة، والجغرافيا، الخ...كذلك فرصة لانفتاح علوم على أخرى فإذا كنا نتحدث عن نقل الأعضاء فلابد من تواصل ما بين من أنجز في هذا المجال عالميا وبين الطب المحلي وبين العلوم الانسانية المرتبطة بهذا الموضوع، وهكذا.

    وعليه تصبح عملية وضع الدستور احتفالية وطنية معرفية تجديدية "مفُرحة"، لأنها تتعلق بالمستقبل في ضوء ما أنجز من تغييرات على أرض الواقع. وعليه لا يكون النص الدستوري:

  • نصا أخلاقيا،
  • نصوصا إنشائية ترص إلى جوار بعضها البعض،
  • أو نصوصا عامة لا يربط بينها رابط،...وإنما:
  • " عملا إبداعيا" يقوم على فلسفة مركبة تعكس موقفا على المستويات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية...

وهو ما يحتاج إلى ما أطلق عليه "الحس الدستوري"، وأعني به القدرة على التأكد من أن المنتج يرقى إلى أن يطلق عليه "دستور"؛ من حيث:

  • انعكاس لحظة التغيير في النص المنتج، وفي حالتنا الراهنة لابد من التأكد أن روحية 25 يناير بما حملت من أحلام وشعارات وممارسات متجسدة في النص الدستوري بنيويا وليس شكليا،
  • والتأكد من الحضور الوطني لكل مكونات الجماعة الوطنية في النص الدستوري ليس بمنطق كل طائفة تقدم مطالبها بمعزل عن الأخرى وفق تقسيم وظيفي وإنما من خلال حضور تفاعلي يعيد "تضفير" المطروح في إطار مركب...كيف؟

    ينقلنا ما سبق للحديث عن معايير الدستور العصري...

ثالثا:

 الإطار الحاكم والمعايير المحددة للدستور العصري.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    بداية نشير إلى أن الكلمة المفتاحية للكتابة الدستورية من واقع خبرات العالم هي "التوافق". لا يمكن قبول أي نص دستوري إلا بتحقيق "التوافق" بين كل ألوان الطيف الوطنية. ولا يدخل في الأمر الوزن النسبي لأي قوة سياسية. فالكتابة الدستورية لا تكتب بمنطق "الغلبة" أو بهيمنة تيار على أخر. أو بمنطق الانتصار البرلماني، فيصبح المعيار الذي تنطلق منه الكتابة الدستورية: المنتصرون في مواجهة الخاسرين   winners vs.   Losers. وقد راجعت خلال الفترة الماضية العديد من المصادر المعتبرة ،فوجدت أن إصدار دستور في أي بقعة من العالم: الهند، ماليزيا، جنوب إفريقيا، البرازيل ،نيوزيلاند...، لا يتم إلابالتوافق. وأن الوصف الذي توصف به عملية كتابة الدساتير هو أنه:

 عملية بناء Building،من أجل المزيد من  "دسترة "  الدستور Constituionalization؛

أي المزيد من الإحكام والارتقاء على قاعدة التوافق. وتقوم "الدسترة"، على:

 أولا: صياغة محكمة واضحة، من حيث اللغة والبنية، للنص الدستوري.

ثانيا: عاكسة لتطلعات المواطنين حول ما ثاروا ضده فيما يتعلق بالحريات والحقوق وتأمين قواعد عادلة لحياة كريمة لكل المواطنين دون تمييز وفق جديد الموجات الحقوقية، والمسار الدستوري الوطني.

ثالثا؛ محددة لحركة الوطن ـ دولة ومؤسسات ومجتمع ـ في المستقبل من حيث النموذج التنموي وإدارة مؤسسات الدولة من القاعدة إلى القمة وفق التطورات العالمية في هذا المقام...وتتم هذه العملية في ضوء التوافق الوطني بين كل ألوان الطيف الوطنية...

    وفي ضوء ما سبق يمكن الحصول على منتج دستوري مركب عظيم القيمة...وخاصة، وبمراجعة العديد من المصادر المعتبرة (منها Re- Constituting the Constitution ،وأخرى) وجدنا أن إصدار دستور في أي بقعة في العالم: الهند، ماليزيا، جنوب إفريقيا، البرازيل ،نيوزيلاند...،(وهي كلها من البلدان الصاعدة/ البازغة التي تنتمي دساتيرها  لدساتير الموجة الرابعة؛ بعد الدساتير التأسيسية، ودساتير ما بعد الحرب العالمية الثانية ودساتير ما بعد تفكيك الاتحاد السوفيتي)...أقول وجدنا أن إصدار دستور ولابد أن يراعي المقومات الثلاثة سابقة الذكر...

   فمن حيث اللغة والبناء؛ لا يصح أن يأتي النص غامضا، أو مراوغا، أو عاما، أو يلجأ المشرع إلى اللف والدوران، أو بحسب يحيي حقي: "يلجأ إلى الغموض من قبيل التستر أو التعقيد من قبيل المعابثة،...الخ"...وهنا نشير بوضوح إلى هذا الحوار الذي ينم عن غياب للمعرفة حول هل يكون الدستور قصيرا أم طويلا؟...واقع الحال تقول الدراسات التاريخية أن الدساتير التأسيسية كانت قصيرة...إلا أن الدساتير التي تنتمي للموجة الرابعة تميل أن تكون طويلة حيث تفصل قليلا في تعريف المبدأ الدستوري كما تضع القواعد القانونية المفسرة له...لذا لم يعد يكتفى بالمبدأ الدستوري والإحالة للقوانين المنظمة لاحقا...ذلك لضمان ألا تكون القوانين مناقضة للمبدأ الدستوري...

     أما من حيث استجابة النص الدستوري لمطالب الثورة؛ فمن غير المعقول ألا يعكس النص الدستوري شعارات الحراك الثوري...فإذا كانت الحركة الثورية تنادي بالعدالة الاجتماعية فلابد من مراعاة ذلك في النصوص الدستورية، ليس من حيث البلاغة الإنشائية فتذكر في عبارة عابرة، وإنما من حيث المبادئ الدستورية التي تجعل هذا المطلب حاكما ونافذا في آن واحد في حياتنا اليومية...ما يعني إدراك طبيعة العملية الإنتاجية وعلاقات العمل السائدة وضمان حقوق المواطنين ووضع القواعد التنظيمية التأمينية المتنوعة...وفي مجال الحريات والحقوق لابد وأن يتوافق النص الدستوري مع ما يلي:

  • التراث الدستوري المصري، فلا يليق أن يكتب المبدأ الدستوري في دستورنا قيد الإعداد متخلفا عن ما بلغه نفس المبدأ في دساتير سابقة...ونشير هنا كمثال: المبدأ المتعلق بحرية العقيدة، كيف كتب في دستور 1923 وفق شروط، ثم كتب بلا قيود في دستور 1971...ثم ما آل إليه هذا النص لاحقا.
  • الموجات الحقوقية الجديدة؛ فلا يصح ان يأتي النص الدستوري دون أن يأخذ في الاعتبار حقوق مثل: الحقوق الرقمية، الحقوق البيئية، حقوق المعاقين، حقوق الملكية الفكرية، وغيرها...الخ...
  • المواثيق الدولية؛ والتي هي نتاج تطور كوني للسياقات المجتمعية المتنوعة في المجالات المختلفة: العمل، والحريات النقابية، والمرأة، والطفولة، الخ...

     وأخيرا من حيث إجابة النص الدستوري عن أي مصر جديدة نريد؛ فلابد أن يحرص النص على أن يضع رؤية للنموذج التنموي المطلوب لمصر تفصيلا، وللتحديث المطلوب لمؤسسات الدولة، وللمحليات، وللمجتمع المدني الذي يجب أن يكون حرا لأن حريته تعني حرية المواطنين في المجال العام : السياسي والمدني وهي الحرية التي تعد المقابل الموضوعي لإسقاط الشمولية بوجهيها السياسي والديني، والإجابة عن قضايا من نوعية: اللامركزية وكيف تطبق،...

    لذا يعتبر كثير من الدارسين أن عملية الكتابة الدستورية هي فرصة لتجدد ـ ليس فقط ـ مدرسة الكتابة الدستورية وإنما مدارس الاقتصاد والفلسفة واللاهوت/الفقه وعلم الاجتماع والعلوم السياسية وفلسفة العلوم،...الخ...هي حالة إبداعية شاملة..

 

  • إن الكتابة الدستورية عمل إبداعي يقوم على فلسفة مركبة تعكس موقفا على المستويات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية تجاه الواقع المتغير...

بتوافق كل أطراف العملية السياسية...

  ويقاس المنتج الدستوري القادر على دفع المجتمع إلى التقدم وتجسيد تطلعات المواطنين فعليا على أرض الواقع وفق المعايير الأربع التالية:

المعيار الأول: وجود فلسفة حاكمة للنص الدستوري في كل مبادئه،

المعيار الثاني: مدى مواكبة النص الدستوري لجديد الأجيال الحقوقية في العالم وقدرته على تلبية تطلعات المواطنين للتغيير، ووضعه للأطر القانونية التي تلزم المشرع القانوني بألا يتناقض مع جوهر المبادئ الدستورية،

المعيار الثالث: ألا تأتي المبادي الدستورية في درجة أدنى مما كتبت به تاريخيا،

المعيار الرابع: الاطمئنان ألا يتضمن النص مفردات من زمن فات، يعود بعضها إلى الباب العالي أو التشريعات العثمانية مثل: استخدام تعبير الأحوال الشخصية أو الطائفة أو تقسيم الوطن على أساس ديني.

ويتضح لنا مما سبق، كيف أن العلاقة جدلية بين التقدم المجتمعي: السياق، وبين المنتج الدستوري: التجلي، وان هذه العلاقة شرطية ..فبقدر ما كان المجتمع متقدما أي السياق يعيش لحظة راديكالية بقدر ما يكون المنتج الدستوري في ذروة التجلي...وبالضرورة نحصل علىى "دستور الحركة الوطنية. وما هو دون ذلك بفعل السياق الذي لم يرق بعد لتقبل التقدم فإن المنتج الدستوري سيتراوح تجليه بين: دستوري ولي الأمر والغلبة

 

مصادر مختارة:

ــــــــــــــــــــــــ

  • وليم سليمان قلادة،المواطنة المصرية: حركة المحكومين نحو المساواة والمشاركة، سلسلة دراسات المواطنة رقم (1)، مؤسسة المصري للمواطنة والحوار،2012.
  • ناثان براون، دساتير من ورق، ترجمة وتعليق محمد نور فرحات، إصدارات سطور الجديدة،2010.
  • سمير مرقس، دليل المواطن المصري إلى الدستور العصري، سلسلة مقالات في جريدة المصري اليوم: 7حلقات من 17 / 9 إلى 5 / 11/ 2013.
  • Thornhill, Chris.2011.A Sociology of Constitutions: Constitutions & State Legitimacy in Historical – Sociological Perspective. Cambridge University Press.
  • Morris, Caroline & Boston, Jonathan (Eds.).2011. Reconstituting the Constitution. Springer.
  • Kiss, Jenos.2003.Conistitutional Democracy, CEU Press.

 


طباعة   البريد الإلكتروني
0
0
0
s2smodern