..التقرير الأمريكي للحرية الدينية:رد الفعل الذي تأخر سنوات

عجبت كثيرا لردة الفعل التي أثيرت حول التقرير الأمريكي للحرية الدينية، خاصة وأن تقارير الأعوام السابقة كانت تتضمن نصوصا أكثر خطورة مما تضمنه التقرير الأخير.. كما أن التقرير الأخير قد اعتمد في كثير من المعلومات التي ذكرها حول الوقائع المتعددة على ما جاء في الإعلام المصري...كما أظهرت بعض ردود الفعل عدم معرفة دقيقة بأن التقرير هو أحد تقريرين يصدرا بموجب ما يعرف بالقانون الأمريكي للحرية الدينية حول العالم الذي يتضمن بنودا غاية

في الخطورة بالإضافة إلى عدد من العقوبات..كذلك وضح عدم فهم طبيعة لجنة الحرية الدينية التي تم تشكيلها في ضوء القانون ومدى أهمية هذه اللجنة التي قابلها البعض وهو يظن أنها لجنة برلمانية، وقابلها البعض الآخر وهو يظن أنها لجنة حكومية..ونفي عنها أحدهم تدخلها في شئون الدول..وبعدها عن السياسة، وأنها لا تملك صلاحية العقوبة..
واقع الحال إن رد الفعل – في ظني- تأخر سنوات،وجاء تغيب عنه المعلومات الدقيقة وعدم إلمام بمسيرة القانون وكيف يتم استخدامه بمهارة بالغة في تحقيق المصالح الأمريكية العليا... وأن بنيته تكرس فكرة مصر" الجماعات النوعية" وليس مصر الجماعة الوطنية كما سنبين..وليسمح لي القارئ أن ألقي الضوء على هذا القانون الذي قمنا بمتابعته منذ مسوداته المقترحة الأولى للكونجرس(1996)،وكتبنا تفصيلا عنه في كتابنا الحماية والعقاب:الغرب والمسألة الدينية في الشرق الأوسط(صدر عام 2000)،حيث تناول الكتاب في قسمه الثاني كل ما يتعلق بهذا القانون : البيئة التشريعية للقانون،واليمين الديني الذي ضغط من أجل إصدار القانون ومدى خطورة التراكم الذي حدث على مدى سنوات...

قانون عقابي /مظلة للتبشير عابر للحدود

في أكتوبر من سنة 1998،صدر القانون الأمريكي للحرية الدينية في العالم، بأغلبية أعضاء الكونجرس الأمريكي بمجلسيه ( 98عضوا من أعضاء مجلس الشيوخ،و 375عضوا من أعضاء مجلس النواب)،وهو القانون الذي بموجبه يتم تفويض الولايات المتحدة الأمريكية باتخاذ الإجراءات اللازمة للرد على الاضطهاد الديني حول العالم..إنه قانون تم تشريعه في الولايات المتحدة الأمريكية ولكن مجال تطبيقه العالم.. قانون عابر للحدود يتسق والذهنية الإمبراطورية..ونشير إلى بعض الملاحظات حول القانون وذلك كما يلي:

* الملاحظة الأولى: أن المرجعية العليا للقانون، وكما جاء في ديباجته، هي الخبرة الأمريكية في مجال الحرية الدينية، والتي تسبق المواثيق الدولية في هذا المجال، بل باتت الخبرة الأمريكية هي الأساس النظري والعملي للمواثيق الدولية. وهو أمر يعكس بشكل مباشر أولية الشرعية الأمريكية على الشرعية الدولية وأسبقيتها، مما يثير القلق حول الضمانات التي تحول دون أن تبطش هذه الشرعية أو تكيل بمكيالين أو تبالغ في أمر من الأمور.

*الملاحظة الثانية: أن القانون في جوهره "عقابي" النزعة حيث وردت 15 عقوبة نصفها اقتصادي الطابع، والمفارقة اللافتة أن القانون وهو يحاول حماية فئة فإنه يعاقب أخرى مما يدعم القلاقل الداخلية بين الفئة المحمية والفئة المعاقبة.

* الملاحظة الثالثة: هو أن القراءة المتأنية للقانون تفيد أن أهم بنوده هو توفير الحماية للمبشرين وإتاحة المجال أمامهم كاملاً، وهنا تجدر الإشارة إلى البند 107 الذي ينص على ما يلي:
البند 107: توفير فرص متكافئة للاقتصاد بالبعثات الدبلوماسية الأمريكية في الخارج لتنظيم النشاطات الدينية.
‌أ. بشكل عام:... سيتيح وزير الخارجية (الأمريكي) إمكانية الاتصال بالبعثة الدبلوماسية الأمريكية أو بالقنصل من قبل أي مواطن أمريكي يسعى لتنظيم أي نشاط لأغراض دينية...
‌ب. الزمان والمكان: سوف يعمل وزير الخارجية (الأمريكي) على توفير الخدمات الملائمة المعقولة فيما يتعلق بتوقيت ومكان الاتصال، وذلك في ضوء:
1. عدد المواطنين الأمريكيين من طالبي هذا الاتصال أخذاً في الاعتبار (أية هموم دينية خاصة بشأن التوقيت، اليوم والتاريخ، أو مكان ممارسة الشعائر الدينية).
2. .............................................................................
3. إمكانية توفير ممارسة الصلوات الدينية المنظمة بشكل علني خارج نطاق البعثة الدبلوماسية.
‌ج. كما يتيح أن يشارك غير الأمريكيين في الحضور والمشاركة في هذه النشاطات الدينية.

*الملاحظة الرابعة: نص القانون على ضرورة تشكيل لجنة للحرية الدينية تضم 9 أعضاء ويرأسها سفير فوق العادة،حيث تقوم اللجنة بكتابة تقرير سنوي عن أوضاع الحرية الدينية في العالم في شهر مايو من كل عام.كما يقوم السفير بإصدار تقرير سنوي في شهر سبتمبر. ومنذ العام 1999وإلى الآن، يصدر بشكل منتظم تقريرين لكل من اللجنة والسفير.
و ما يهمنا هنا هو الصلاحيات التي أعطاها القانون للجنة وأنها لجنة ذات طبيعة خاصة ليست حكومية أو برلمانية أو أهلية حسبما كان يتردد في بعض الأوساط المصرية، فاللجنة بحسب القانون تعنى بما يلي:
• المراجعة السنوية والمستمرة الخاصة بالوقائع والظروف المحيطة بانتهاكات الحرية الدينية.
ويشار هنا إلى ما جاء على لسان رئيس اللجنة الثلاثية التي قدمت إلى مصر في المؤتمر الصحفي الذي عقد بتاريخ 16/3/2001، وفي إطار تعريفه باللجنة ما نصه:
...»إن اللجنة الأمريكية للحرية الدينية الدولية، كيان مستقل، يمثل الحزبين (الكبيرين في أمريكا)، تقدم النصيحة لحكومات الولايات المتحدة في قضايا تخص الحرية الدينية حول العالم. أعضاؤها ليسوا رسميين يعملون في الإدارة (الأمريكية)، ولكن مواطنين مستقلين عينوا لتقديم النصح للرئيس ووزير الخارجية والكونجرس... والتوصية بسياسات تهدف إلى تقدم الحرية الدينية...« (التعيين يتم ،بحسب القانون، بشراكة بين الرئيس والكونجرس).

مصر تتكون من جماعات دينية

(1). لعل من أهم الأمور التي لم يلتفت إليها أحد،هو أن مصر عند صدور القانون كانت في التصنيف الثالث من أصل خمسة تصنيفات،وهو التصنيف الخاص بالدول التي تهمل التمييز الذي يمارس ضد الأقلية أو الأديان غير المعترف بها،ثم وضعت مصر في التصنيف الثاني والذي يعني أنها في قائمة الدول التي تتم مراقبتها List Watch،وفي ضوء ذلك حرص التقرير على بدء التعامل مع مصر باعتبارها كيان يضم مجموعات دينية Religious Groups يتم التعامل مع كل مجموعة على حدة،والبحث عن حقوقها بمعزل عن الباقين،ما يعني التفكيك،بدلا من دعم البحث عن الحقوق للمواطنين المصريين،الأمر الذي يعوق الاندماج ويجعل هناك أكثر من مصر.وتدافع التقارير عن حقوق حركات وافدة على حساب الكنيسة الوطنية،وهنا يذكر الدور الكبير المعطى للسفارة في إعداد التقارير ومتابعة الوقائع المتنوعة وهو ما ذكر في تقرير سابق – نصا – وذلك كما يلي:
The Embassy investigates every complaint of religious discrimination brought to its attention…
أي: إن السفارة تحقق في كل شكوى ترد إليها خاصة بالتمييز الديني. وهو ما يتفق مع البند 107 كما أشرنا من قبل.

أتصور أنه قد آن الأوان أن تتشكل جهة وطنية لمتابعة كل ما يثار فيما يتعلق بقضايا الحريات الدينية تعنى بالبت فيما يثور وتتابعه وتعلن عن الحقائق الكاملة وتفند التقارير الدولية بالعلم والمعرفة..والاستعانة بأهل الاختصاص حتى تأتي ردود الفعل في مكانها.

 


طباعة   البريد الإلكتروني
0
0
0
s2smodern