1) جهد علمي مهم؛
مرت مصر بما أسميته مرة بمرحلة "الانتفاض" السياسي، على مدى السنتين الأخيرتين، والتي نتج عنها كثير من التساؤلات،منها ماهو الحساب الختامي لهذه المرحلة، وهل تعد هذه المرحلة تمهيد لمرحلة أخرى أم إننا سوف ننتظر بعض الوقت لنشهد حيوية أخرى...وماذا عن الأفق السياسي لمصر...كل هذه الأسئلة وغيرها يحاول أن يجيب عنها كتاب "ألوان الحرية":الموجة الرابعة للتحول الديمقراطي في العالم، رؤية مصرية، للباحث الشاب المتميز سامح فوزي.
(الحاصل علي الزمالة من معهد الديمقراطية والتنمية وحكم القانون بجامعة إستانفورد بأمريكا عن هذه الدراسة،بالإضافة على الماجستير من جامعتي القاهرة وساسكس من انجلترا). و تعود أهمية هذا الكتاب إلى أنه استطاع أن يقدم لنا عدة أمور في وقت واحد، أولا تعريف القارئ العربي بجديد الاتجاهات العلمية فيما يعرف بأدبيات الديمقراطية، ثانيا استعراض مركز لتجارب الحركات المدنية الاحتجاجية العالمية،ثالثا محاولة تقديم قراءة نقدية لحالة الديمقراطية في مصر وتقييم للقوى السياسية والحركات الاحتجاجية المصرية خلال مرحلة الانتفاض السياسي التي عرفتها مصر على مدى السنتين الأخيرتين.وأخيرا وضع تصور مستقبلي حول إمكانية التحول الديمقراطي أو ما أسماه المؤلف "هندسة للتغيير الديمقراطي في مصر".
2) جودة الديمقراطية؛
ينطلق الباحث،في البداية من فكرة تقول أن العلوم السياسية تشهد ظاهرة صعود المفاهيم وأفولها،بيد أن مصطلح الديمقراطية لا يخضع لهذه الفكرة،ذلك لأنه مفهوم لم يعد محصورا في داخل الأروقة الجامعية،بل بات مطلبا جماهيريا ،مما ساعد على تطوره وإبداع اجتهادات جديدة حوله طبقا للمستجدات على أرض الواقع.في هذا السياق يقدم المؤلف أحد الأفكار الجديدة في هذا المجال والتي طرحها الباحث الأمريكي لاري دايموند تحت عنوان "جودة الديمقراطية"؛وقد حدد ثمانية عناصر أو مؤشرات لتقييم مستوى جودة الديمقراطية في أي مجتمع من المجتمعات، وذلك كما يلي:حكم القانون،المشاركة،المنافسة،المساءلة الرأسية،المساءلة الأفقية،الحرية،المساواة،استجابة الناس. وفق هذه المؤشرات يطرح المؤلف مفهوما ثانيا ينبه لمايكل ماكفول مدير معهد الديمقراطية والتنمية وحكم القانون،وينتمي للحزب الديمقراطي،حيث يطرح ما أسماه"نموذج الموجة الرابعة للتحول الديمقراطي"وبخاصة في حالة النظم التي تتأرجح بين التسلط والديمقراطية،والتي يسميها "الأنظمة السياسية المهجنة".أي أن أطروحته مشروطة بنظم سياسية تعطي مساحات من الحركة لقوى المعارضة،والتي يمكن استغلالها في تحقيق تحول ديمقراطي،من خلال عدد من الشروط التي يجب توفرها.
في ضوء ما سبق يستعرض المؤلف تجربة أوكرانيا(الثورة البرتقالية)،وأن نجاحها – بحسب ماكفول- تم بسبب توفر الاشتراطات التي قال بها في أطروحته حول إمكانية التحول الديمقراطي:من استقلال إعلامي وتحرك جماهيري ورقابة على الانتخابات...الخ.بيد أن التحول الديمقراطي في ضوء الخبرات المختلفة التي عددها المؤلف من بولندا وصربيا و..، قد أشارت إلى أهمية ما أسماه "ممارسة قوة المواطنين"،من خلال النضال السلمي المدني،ليس بالمعنى الأخلاقي وإنما بالمعنى السياسي.
3) عن حالة الديمقراطية في مصر ومستقبلها؛
ينتقل بنا المؤلف إلى الحالة الديمقراطية في مصر،ويطبق عليها العناصر أو المؤشرات الثمانية التي استند إليها لاري دايموند في تقييم جودة الديمقراطية،ويخلص إلى أن هناك إشكاليات تطال هذه العناصر التي تحتاج إلى تفعيل حقيقي مثل المشاركة والمساءلة ببعديها الرأسي والأفقي...،أما عن حركة "كفاية" فيصفها المؤلف "بالنصف برتقالية"،فلقد "اكتفت الحركة بأن تنزل للشارع لتقول لا دون أن تقول لنا لمن نقول نعم"،بهذه العبارة يقدم لنا الأستاذ سامح فوزي تحليله لحركة كفاية. لقد استخدمت الحركة آلية التظاهر الجماهيري،ويتساءل المؤلف هل كانت هذه الآلية مناسبة في هذه اللحظة من التطور السياسي للمجتمع المصري، فخبرات صربيا وجورجيا وأوكرانيا لا يمكن الإقتداء بها أو الأخذ بها. لقد واجهت كفاية منذ البداية التناقض الرئيسي في الحياة السياسية المصرية وهو"كيفية التعامل مع الإخوان المسلمين"بحيث برزت إشكاليات التوظيف السياسي بينهما،فمن الواضح بحسب المؤلف"أن الإخوان المسلمين يشعرون بإستقواء في مواجهة المجتمع السياسي برمته،وما كانوا ليقبلوا أن يكونوا واحدا ضمن قوى متعددة تبدو على مستوى الشارع أقل شعبية منهم". ولكن بالأخير افتقدت كفاية إلى القدرة على بناء قاعدة اقتصادية واجتماعية وثقافية لتحالف سياسي من أجل التغيير الديمقراطي.وعليه يقول المؤلف إلى أن التقييم الموضوعي للحركة يشير إلى أنه بالرغم من أهمية "كفاية"فإن تأثيرها لم يتعدى دور المنبه للتغيير السياسي،والاحتجاج القاعدي على تأخر التحول الديمقراطي،ولم تمتلك بديلا سياسيا.
وأخيرا يصل بنا المؤلف إلى أطروحته حول مستقبل التحول الديمقراطي في مصر،في ضوء بحثه القيم النظري والتطبيقي،فتحت عنوان "هندسة للتغير الديمقراطي في مصر"،يكتب الباحث أن التغيير الديمقراطي يعني ما يلي:
1) أن تؤسس قواعد – رسمية وغير رسمية- لضمان الانتقال السلمي للسلطة بين اللاعبين السياسيين.
2) أن يعاد للدولة حيادها المفقود، واستقلاليتها في مواجهة النظام السياسي ذاته.
3) أن تصبح الحكومة تعبيرا عن خيارات الناخبين الذين من حقهم إثابتها بالإبقاء عليها أو عقابها بإقصائها، واختيار غيرها.
وأخيرا وعلى صعيد الهندسة السياسية يتصور المؤلف أن هناك ثلاث مراحل أساسية لإحداث التغيير الديمقراطي، كل منها يقود للأخرى وذلك كما يلي:المرحلة الانتقالية حيث توحد قوى المعارضة وامتلاكها لأدوات متنوعة إعلامية ومؤسسية وقاعدة اقتصادية اجتماعية.ثم مرحلة التأسيس الديمقراطي بالدخول في المنافسة الديمقراطية من خلال الانتخابات ومحاولة الفوز بأكبر نصين ممكن.في نهاية هذه المرحلة والتي قد تستغرق عقدا من الزمان تكون شرائح واسعة من المجتمع قد خرجت عن سلبيتها،ومن ثم تبدأ المرحلة الثالثة التي أطلق عليها الباحث مرحلة الممارسة الديمقراطية،حيث تظهر فيها القوى السياسية والأحزاب وتقترب من الجمهور بحثا عن التأييد والمساندة وفق الرؤى و البرامج السياسية،ذلك بحسب قواعد اللعبة الديمقراطية المتعارف عليها .
وبعد تمثل هذه النوعية من الدراسات أهمية قصوى في تجديد الذهن من حيث الإطلاع على كل ماهو حديث في الأدبيات المختلفة،خاصة وأن قليلين من يتابعون نتاج العقل الإنساني وهو ما اختبرناه في كثير من المواقف( بحكم اهتمامنا بموضوع المواطنة منذ التسعينيات كم لاحظنا فقر التعاطي مع هذا الموضوع أثناء نقاشه مؤخرا وربما يستحق هذا الموضوع أن نكتي عنه مما يعكس حالتنا العلمية ) وتحريك النقاش حول الحالة الديمقراطية المصرية،من هنا يأتي هذا الكتاب ليثير كثير من القضايا الخاصة بالديمقراطية من جهة،وبخبرات الآخرين حيث دراستها تفيد في أن نرى تجاربنا على حقيقتها وأين تقف من التجارب الأخرى من جهة أخرى،وأخيرا التأكيد على فضيلة التقييم المواكب لكل فعل يتم على أرض الواقع وفق مؤشرات محددة،قد نتفق أو نتفق مع ما جاء في الكتاب ولكن قطعا لا يمكن إهمال ما جاء فيه. لقد حمل الكاتب كما قال الناشر الصديق عادل المعلم في تقديمه للكتاب "هموم المصريين"، وأراه جديرا بالقراءة والنقاش في ضوء التزاوج المركب الذي قام به سامح فوزي بين جديد أدبيات الديمقراطية ورصد تجارب الآخرين وتقييم الحالة المصرية وتقديم رؤية مستقبلية لمصر...
إضاءة:
"... ينبع النقاش حول الديمقراطية من رغبة داخلية في بلوغ الكرامة.ويعبر كذلك عن نزوع بشري طبيعي صوب البقاء والتنمية.كل يوم يمضي بدون تغيير يعني ليلة أخرى تعيسة للمساجين السياسيين الذين يتألمون في وحدتهم،وموتا آخر لجائع أو مريض يعاني من الإهمال والحرمان،وفرصة أخرى لفاسد يهرب بالملايين من خزائن الدولة".
أنور إبراهيم
رجل دولة ومفكر ماليزي
( استهلال كتاب ألوان الحرية)
جسور:
• تحية عطرة لروح الدكتور أحمد عبد الله رزة أحد "زعيم" حركة الطلبة في السبعينيات في ذكراه السنوية الأولى...سلامات(كما كان دوما يقول) يا أحمد...وحشتنا...نفتقدك...
• الوداع" لبدور"التي ماتت ضحية للجهل وللتخلف... ولكنها ستظل منيرة ومضيئة...رمزا لكل من يدفع حياته ثمنا كي نستيقظ أنه لم تزل في مصر مناطق مظلمة نسكت عنها بالتواطؤ