(1) «الخلاصة»؛
هناك تصور سائد بأننا نعيش زمن الكتب «الساندويتش»، السريعة الإعداد، التى تُقرأ بنظرات خاطفة دون تمحيص. كتب توفر «خلاصات» لدى القراء تريحهم من أى جهد عقلى وذهنى تطلبه العملية المعرفية من بحث وتدقيق وتأصيل واستزادة وفهم أعمق،...إلخ. تمامًا كما هو الحال فى العملية التعليمية بمراحلها عندما وجدنا ــ ومنذ عقود ــ كيف ساد ما أطلقت عليه «التعليم بالمذكرات» (راجع مقالًا لنا حمل نفس الاسم فى هذا المكان منذ 10 أعوام تقريبًا). وهو التعليم الذى يعتمد فيه الطالب على «المذكرة» التى يحصل منها على «خلاصة الخلاصة» للمنهج وشرح المعلم والأستاذ... «الخلاصة» التى ترتبط بشكل مباشر بأن تمكن الطالب من عبور الاختبار بسلام. وبعدها تنحل علاقته بالمادة. ويتبخر تماما كل ما حصّله من معلومات وأفكار. هكذا امتدت «تعليم الخلاصة» إلى «معرفة الخلاصة»... والحجة الجاهزة أن المواطنين لم يعد لديهم وقت. وأن إيقاع العصر لم يعد يحتمل «الاستغراق التام» فى التحصيل المعرفى والثقافى، بل «العبور الخاطف» عبر «الخلاصة» أو «البهريز» بحسب أحد الشباب... والسؤال الذى أظنه مشروعا هل هذا هو حال الآخرين؟
(2) «كتب صناعة ثقيلة»؛
تشير الأرقام من خلال البحوث والمتابعات المعنية بطباعة الكتب ونوعياتها إلى أن الدول المتقدمة والصاعدة تولى اهتماما كبيرا بحركة النشر: تأليفا وترجمة، على أوسع نطاق. وفى هذا المقام تأتى الهند واليابان وألمانيا (من خارج الدول التقليدية التاريخية فى إنتاج المعرفة: بريطانيا، وفرنسا، والولايات المتحدة الأمريكية) فى مقدمة قائمة طويلة من الدول التى تعى أهمية الكتاب لترقية مواطنيها. وينعكس ذلك فى نوعية الكتب المختارة للطبع سواء كانت تأليفا أو ترجمة. حيث يمكن تصنيفها أنها كتب تنتمى إلى «الصناعة الثقيلة»... ومعيار الصناعة الثقيلة لا يعنى: كثرة عدد الصفحات، أو كبر القطع، أو قيمة العنوان ومؤلفه،...إلخ، وإنما قيمة المحتوى وجدته، وثقل المادة المعرفية والمعلوماتية والفكرية، وتنوع طرق المقاربات، وتعدد أساليب العرض. أى كتب تم «التخديم» عليها جيدا من جميع النواحى. ويكفى أن نشير فى هذا الإطار إلى أن نسبة إصدار الكتب فى عالمنا العربى لا تزيد على 5% من الإنتاج العالمى السنوى (فى أحسن تقدير) من الكتب الجديدة التى يتم طبعها كل عام والتى تصل إلى ما يقرب من ثلاثة ملايين كتاب على مستوى العالم. وبعيدا عن الأرقام والإحصائيات التى تعبر عن الحقائق الكمية لإنتاج الكتب (على أهميتها)، إلا أن ما يهمنى هو نوعية المطبوع. حيث يتم تقييم المنتج وفقا لما يضيفه للقارئ من أفكار ومعارف ألمعية وجديدة تصب فى جعله مواكبا للجديد. وهو معيار مهم جدا فى تقييم النص المطبوع (أو الرقمى لاحقا) والتى تجعل الكتاب يحظى بقيمته باعتباره «صناعة ثقيلة» من حيث مضمونه. ومن ثم يمثل إضافة حقيقية للفكر الإنسانى: محليا وعالميا... وتعد «الإضافة المبدعة» شرطا أساسيا لصدور الكتاب... كيف؟
(3) «كتب الإضافة المبدعة»؛
الإضافة المبدعة التى يقدمها الكتاب أقصد بها فى واقع الأمر تكون إضافة «مُركبة». أى أنها تحمل أكثر من فائدة للقراء. من هذه الفوائد نشير إلى ما يلى: أولا: ضرورة تقديم جديد. ثانيا: ضرورة التأصيل للمادة المقدمة. ثالثا: ضرورة مراجعة الأدبيات السابقة. رابعا: التوثيق لكل فكرة ومعلومة. والأهم خامسا: التطرق لموضوعات وقضايا جديدة. والأهم سادسا: إعادة النظر الدائمة فى الكثير من القضايا. بذلك تزداد قيمة الكتاب وأهميته. والتى تعكس من الجانب الآخر فاعلية إبداعية من قِبَل المفكرين والباحثين والأدباء فى شتى الحقول المعرفية... فلا مجال ـ لن أقول بالمطلق ولكن كبير- لكتب «النميمة والفضائح»، أو الكتب سريعة التجهيز، أو كتب التجميع لمقالات متناثرة لا رابط بينها، أو كتب إعادة الإنتاج لمادة معرفية فاقدة الصلاحية،...إلخ. تلك الكتب التى انتشرت فى الآونة الأخيرة وامتدت بتأثيراتها السلبية على إنتاج الرسائل العلمية... إن الفرق بات شاسعا بين كُتبنا وكُتبهم... ما يعنى ابتعادا عن جوهر العالم الجديد... نواصل...