(1)
كان قانون الانفتاح الاقتصادى الصادر فى سنة 1974، نقطة تحول تاريخية محورية لبنية البيروقراطية المصرية. فالجهاز البيروقراطى لم يعد فقط أداة لتلبية مطالب الحاكم/ نظام الحكم (أولا: المصرى الفرعونى، وثانيا: الوافد: البطلمى، فالرومانى، فالطولونى، فالإخشيدى، فالفاطمى، فالأيوبى، فالمملوكى، فالعثمانى، وثالثا: المحدث الوافد: محمد على، ورابعا: المحتل الإنجليزى، وخامسا: الوطنى: الثورى، والمضاد للثورة)، بل صار شريكا فى الصيغة الاجتماعية التى تتكون من قوى اجتماعية متنوعة. وعليه بات يوصف «بالرأسمالية البيروقراطية»، بحسب كثير من الباحثين.
لذا فإنه من الخطأ عند تناول إشكاليات البيروقراطية المصرية التعاطى معها باعتبارها كيان محايد يمكن تحديثه من خلال إعادة الهيكلة الإدارية أو تطويره من حيث تحديث التقنيات المستخدمة أو تعريض أفراده لدورات تدريبية،…،إلخ، فقط. وإنما لابد من فهم دلالة «تحول»/ «تحور» البيروقراطية المصرية إلى أن تكون جزءا من الصيغة الرأسمالية التى باتت تشكل قاعدة الحكم فى سبعينيات القرن الماضى ومثلت انقلابا سياسيا ـ بامتياز ـ على دولة يوليو.
(2)
الدلالة المباشرة التى لابد من وضعها بشكل واضح ومحدد ومباشر أن هذه الشريحة ـ أقصد البيروقراطية ـ قد امتلكت دورا مزدوجا يتجاوز دورها الطبيعى المحايد لخدمة المواطنين فى إطار الصالح العام، كما هو الحال فى الدول المتقدمة. فبعد قانون الانفتاح الاقتصادى الذى يمكن اعتباره أحد أهم أسلحة دولة يوليو المضادة. كانت البيروقراطية المصرية المستفيد الرئيسى وذلك لسببين هما: الأول: لأنها فى واقع الحال لم تعد فئة تؤدى عملا لصالح أحد بل شريكا فى شبكة المصالح التى تبلورت مطلع السبعينيات، من الرأسمالية الطفيلية التى تكونت من السماسرة والوكلاء والمقولين،… إلخ. والثانى: لأنها من خلال احتفاظها «بسر الاختراع»، أى أسرار المعبد البيروقراطى، أبقت على سيطرتها فى المنح/ المنع من خلال تفسيراتها للقوانين، واللوائح، والقرارات الإدارية.. أى أنها أصبحت صاحبة مصلحة بفعل الشراكة الاجتماعية فى الصيغة الرأسمالية التى سادت من جهة. كما أصبحت ذات سلطة مُركبة متعددة الوظائف من: ضبط ورقابة وغلق وفرض غرامات،…إلخ، من جهة أخرى… وعليه فإن أى اقتراب من البيروقراطية لابد أن يعى أنه اقتراب من شريحة اقتصادية لن تتنازل عن مزايا وصلاحيات وقداسة اكتسبتها: طبقية وإدارية سلطوية… شريحة اقتصادية تقترب من ثلث سكان مصر (إذا ما أضفنا إلى الستة ملايين موظف الذين يمثلون قوة الجهاز البيروقراطى المصرى، الأسر التى يعولونها)…
(3)
ولعل إحدى أهم المفارقات التاريخية هى هذا التضخم الكبير فى الجهاز البيروقراطى الذى نتج عن الأخذ بسياسات الليبرالية الجديدة فى مصر. والذى واكبه فى نفس الوقت تفكيك كل ما هو صناعى وإنتاجى… ويقول نزيه نصيف الأيوبى: «إن تضخم البيروقراطية إنما يقترن منذ عام 1974 بانكماش فى التصنيع والأنشطة الإنتاجية العامة، التى يمكن أن تستوعب هذا التوسع فى التوظيف، وأن تستفيد من هذا التوسع فى الإنفاق». ومفاد ما سبق أن التضخم الذى طال الجهاز البيروقراطى المصرى هو نتاج التخلى عن المشروع التنموى الشامل الذى قوامه التصنيع والتصدير والابتكار،… إلخ… هناك مفارقة أخرى مهمة… ما هى؟
(4)
المفارقة الأخرى تتعلق بتحور الجهاز البيروقراطى لمواكبة الاستثمار الأجنبى الذى انفتح أمامه الطريق بلا قيد أو شرط. ما جعله ـ بحسب فؤاد مرسى ـ فوق خطة الدولة التنموية. تحور يمكنه من الاستفادة منه قدر الإمكان. فازداد تضخمه وأعاد هيكلته من خلال استيعاب المنح والمعونات بدلا من المجتمع المدنى من جهة، وتعظيم الحصول على مزايا من المستثمرين بطرق عدة… ومع محاولة فك شفرة البيروقراطية المصرية… نواصل…
(بعد المقال)…
بمناسبة شهر رمضان الكريم لا يمكن الحديث عن البيروقراطية المصرية دون تذكر الاستيمارة للعبقرى فؤاد حداد التى نبهنا لها مسحراتى مصر عمنا المبدع سيد مكاوى
مسحراتى منقراتى ع الطبلة إيدى
ريشة فى دوايتى اسمع ياسيدى اسمع حكايتى مع استيمارة راكبة الحمارة
أول ما راحت راحت لحسنى قالت يا حوستى هو انت فاطر قال كنت فاكر مش حا نسى تانى خليك مكانى
الاستيمارة راكبة الحمارة
راحت لفكرى قال تيجى باكر وتروح لذكرى قال روح لشاكر والا لشكري
شكرى فى إجازة راحت لبهجت لا حط ماذا ولا سألها أشر نقلها
راحت لهانى خليك مكانى هانى الطاطورى قال فيما يبدو حتروح لعبده
لازم ضرورى ضرورى لازم راحت لحازم منه لتيفه شاغلاه لطيفة
منه لمكتب راجل مؤدب ببدلة بنى قال لى أظنّى فى تانى أوده
عند الموظف أبو بدلة سودا بدله رصاصى قال لا مؤاخذه مش اختصاصى
ياسيدى لاظوغلى خلص لى شغلى
فى تانى طرقه على شمالى لبدله زرقا شرحت حالى
قال ثانيه واحدة
والاستيماره من يومها قاعده راكبة الحماره
أحسن لى افضل على مهلى ماشى
المشى طاب لى والدق على طبلى
ناس كانوا قبلى قالوا فى الأمثال:
الرجل تدب ما تطرح ما تحب
وأنا صنعتى مسحراتى فى البلد جوال
حبيت ودبيت كما العاشق ليالى طوال
وكل شبر وحته من بلدى حته من كبدى حته من موال…