التحول الديمقراطي‏'‏ المتعثر‏'‏

ونحن نستعد للاحتفال بالذكري الثانية لما اسميته مبكرا‏’‏ الموجة الأولي للحراك الشبابي الشعبي الثوري‏’,‏ التي انطلقت في‏25‏ يناير‏2011,‏ يبدو لي أن هناك الكثير من التساؤلات التي تفرض نفسها عن طبيعة التحول الديمقراطي التي في مصر‏.‏هل سار التحول الديمقراطي في مساره السليم أم لا؟

هل استطاعت المرحلة الانتقالية أن تعد مصر للانطلاق نحو تحقيق المطالب التي رفعت في ميادين مصر؟
أسئلة لابد من طرحها في ظني.خاصة وأن الأوطان لا ولن تتقدم إلا عندما نعمل ـ بدأب وأسس معرفية ـ للاجتهاد من أجل فهم ما جري في تاريخنا وعلي ما يجري في واقعنا, وإلام سيئول إليه حالنا في ضوء ما جري ويجري. في هذا المقام لابد من إخضاع هذا الحراك الشبابي الشعبي الذي انطلق في25 يناير للتحليل ومحاولة فهم ما جري ومستقبله خاصة بعد مرور عامين علي هذا الحدث الفارق في تاريخ مصر. أو تقييم عملية التحول الديمقراطي.
بداية لابد من تأكيد أن’ التحول الديمقراطي’ صار’ علما’ يطلق عليه اسمTransitology. فبسبب نضالات الكثير من الشعوب ـ علي مدي قرون ـ من أجل الحرية والعدالة أو التقدم عموما,بدأ الاهتمام بدراسة تجارب التحول الديمقراطي وتنوعاتها وموجاتها الناجحة والفاشلة ولماذا.ويعني التحول الديمقراطي في أبسط تعريف له:’العملية التي يدخل فيها مجتمع من المجتمعات ـ مكافحا ـ للانتقال من حالة استبدادية متخلفة إلي حالة ديمقراطية متقدمة’.وفي هذا المقام يمكن القول أن هناك خمس موجات للتحول الديمقراطي مرت بها مجتمعات العالم.رصد ثلاثا منها صموئيل هانتيجتون في كتابه الموجة الثالثة, حيث بدأت الموجة الأولي من التحول إلي الديمقراطية منذ مطلع القرن التاسع عشر لحقت بها’ الموجة الثانية’ مع نهاية الحرب العالمية الثانية. وكانت الثالثة مع منتصف السبعينيات.ويمكن أن نضيف موجتين إلي ماسبق هما: الموجة الرابعة التي شهدناها مطلع الألفية الثالثة مع دول مثل أوكرانيا,وأخيرا الموجة الخامسة التي انطلقت في منطقتنا العربية.


ويلخص الباحثون الأسباب التي تؤدي إلي الثورة ومن ثم الدخول في عملية التحول الديمقراطي إلي العديد من الأسباب منها: سوء توزيع الموارد,هيمنة الحزب الواحد, أنظمة حكم استبدادية/ امنية…الخ, أو كل ذلك معا.
وفي الحالة المصرية يمكن القول إن احتكار الثروة في ايدي قلة أو ما أسميته’ شبكة الامتيازات المغلقة’, ربما يكون أحد أهم الأسباب التي أدت إلي25 يناير, بالإضافة إلي انسداد الأفق السياسي/ المدني أمام القوي السياسية والكتلة الشبابية الطالعة والذي تجلي بامتياز ـ فيما وصفناه( نهاية2010) بالهندسة السياسية للتمثيل السياسي من خلال التحكم في نتائج انتخابات مجلس الشعب نهاية.2010


من جانب آخر, هناك ما يعرف بالمقومات التي تعين علي إنجاح عملية التحول الديمقراطي, وتكون ضاغطة في آن واحد علي تحقق الديمقراطية. فهناك مقومات تتعلق بأن هناك تقاليد ديمقراطية يمكن البناء عليها, أو ان هناك طبقة وسطي قوية يمكن أن تقود عملية التحول.أو أن هناك مؤسسات قوية ذات قدرات عالية تنظيمية ومعرفية مثل السلطة القضائية يمكن أن يعول عليها, وهكذا. وعلي النقيض إذا غابت هذه المقومات ـ وغيرها ـ بالإضافة إلي سوء إدارة المرحلة الانتقالية يمكن أن ينتكس التحول الديمقراطي. وعليه تدخل البلاد بحسب أحد الباحثين في ما يعرف بالديمقراطية’ المتقطعة’ أو’ المتأرجحة’, أو ما يمكن تسميته’ الارتداد علي الديمقراطية’…


في هذا السياق, أين نحن بعد عامين من انطلاق حراك25 يناير؟
يبدو لي ان التكرار’ الجارف’, الذي يتردد علي ألسنة مواطنينا في كل مكان’ إحنا رايحين علي فين؟ وإيه الجديد اللي جاءت به الثورة؟ يعكس ـ بشكل قاطع ـ مدي التعثر والارتباك الذي ساد المرحلة الانتقالية فبرزت العديد من الإشكاليات منها: إشكالية الصدام بين الشرعيات: الثورية والدستورية, إشكالية الاستقطاب المتعدد المستويات, إشكالية الصدام بين مشروعي الدولة الوطنية الحديثة والدولة الدينية, وإشكالية التوافق المجتمعي الشامل, وإشكالية سد الفجوات بين الأجيال وكيف يحضر الشباب في قلب المشهد الذي يتمترس فيه الكبار/ الشيوخ, والطبقات, وبين الحضر والريف,وبين المجتمعات المغلقة والعشوائيات/ أحزمة المدن, وأخيرا مواجهة الفجوة التكنولوجية.وإشكالية النموذج التنموي الذي يجب نهجه شريطة أن يكون مركبا. وإشكالية إعاقة التقدم بالإبقاء علي التجاور بين القديم والجديد…الخ. كلها إشكاليات تحتاج لنقاش معمق تم تجنب التعاطي معها والذهاب بعيدا إلي إما إلي الاحتواء, أو السير الجبري في اتجاه الديمقراطية الإجرائية أو إلي العنف…ولا سبيل إلي انجاز التحول إلا بمواجهة الإشكاليات السبق ذكرها…ونتابع…

 

طباعة   البريد الإلكتروني
0
0
0
s2smodern