إبراهيم عامر..الصحفى .. المفكر.. الشهيد

المقالات

إن استعادة سير وتراجم الشخصيات التى أسهمت فى تقدم الوطن فريضة أخلاقية وتذكر عطاءاتهم واجب واطنى...وقد قدمنا قبل أسابيع للقارئ الكريم أحد أبناء ثورة 1919 الكاتب الصحفى والمناضل والمؤرخ الأستاذ قرياقص ميخائيل (1887 ــ 1956)...واليوم نقدم رمزا وطنيا وفكريا وصحفيا كبيرا ممن انخرطوا فى الحركة الوطنية منذ ثلاثينيات القرن الماضى وحتى استشهاده فى بيروت قبل 45 سنة...إنه الصحفى والمفكر والمناضل والشهيد الأستاذ إبراهيم عامر(1922 ــ 1976)...

 

ولد إبراهيم عامر بمدينة الإسكندرية فى أغسطس 1922، وأنهى دراسته الثانوية بها مع اندلاع الحرب العالمية الثانية. عمل بأكبر جريدتين سياسيتين عرفتهما مصر قبل ثورة يوليو 1952هما: جريدة السياسى، والمصرى...تخصص آنذاك فى كتابة التحليلات السياسية التى تتعلق بالشأن السياسى الخارجى فى عالم كان يموج بأحداث جسيمة وبتحولات عميقة. كما انخرط فى الحركة الوطنية من خلال عضوية التنظيمات اليسارية. وعقب قيام ثورة يوليو 1952 انتقل إلى صحيفة الجمهورية التى أسستها الثورة 1953 وبقى بها حتى انتقاله إلى مجلة المصور 1964. ومع مطلع السبعينيات ــ 1972 تقريبا ــ رحل إلى لبنان ليعمل على تأسيس صحيفتى: بيروت المساء، والسفير. وفى فبراير من سنة 1976 استشهد من جراء غارة من الغارات البربرية التى قام بها طرف من أطراف الحرب الأهلية اللبنانية التى استهدفت المبانى الصحفية.

تميز الأستاذ إبراهيم عامر بأربعة ملامح مميزة وهى الأولى: مهنيته الصحفية العالية التى جعلته من أمهر وأقدر مديرى التحرير الذين عرفهم الوسط الصحفى (بحسب الصحفى شكرى القاضى فى عموده المعنون للذكرى بجريدة الجمهورية والتى كان يكتب فيها عن أهم الشخصيات المصرية والتى جمعها فى سلسلة تاريخ المصريين). الثانية: الانفتاح على جديد المعرفة فى العالم. وهو ما رصده الأستاذ مصطفى طيبة ــ فى إحدى مرات الاعتقال التى تعرض لها اليسار المصرى بقوله بأن: «رغبتى فى التزود بالمعرفة كانت تشدنى للجلوس معه ساعات طويلة أستمع منه خلالها إلى قراءاته العديدة والمتنوعة... الثالثة: كتاباته ودراساته التى تميزت بتنظيرات رفيعة المستوى سبقت كثيرا من المدارس الفكرية العالمية وكانت محل تقدير أكاديمى. وعن ذلك يسجل المؤرخ الكبير الراحل الدكتور عبد العظيم رمضان فى تمهيده المعنون: قضايا خلافية فى التفسير المادى للتاريخ المصرى الحديث لكتابه صراع الطبقات فى مصر من 1837 إلى 1952، بأنه اشتبك علميا مع بعض الكُتاَب اليساريين الذين قدموا مساهمات رائدة فى مقاربة تاريخ مصر ورصد عدة ملاحظات على كتابات أنور عبد الملك، وشهدى عطية الشافعى، وأحمد صادق سعد. ولم تمتد ملاحظات رمضان لكتابات الأستاذ إبراهيم عامر. ووضح مدى اعتماد الدكتور عبد العظيم رمضان عليها فى أكثر من عمل من أعماله. الرابعة: تمكنه التام من تاريخ مصر.

ومن محصلة الميزات السابقة ترك لنا إبراهيم عامر ثلاثة كتب معتبرة رائدة تمثل مرجعا لا غنى عن الرجوع إليها لريادتها فى مقاربة موضوعات كانت تعد جديدة فى الفكر السياسى المصرى والعربى. ومن ثم اكتسبت الكتب أصالة جيلا بعد جيل وإلى يومنا هذانظرا لعمق المقاربة التى تنم عن ثقافة موسوعية جادة وسعة اطلاع متجددة كما تتسم بلغة حداثية. هذه الكتب هى: تأميم القناة: دراسة وطنية بمناسبة تأميم شركة القناة، أغسطس 1956، ثورة مصر القومية: دراسة علمية للحركة القومية فى مصر منذ 1919 إلى 23 يوليو 1952، يناير 1957، الأرض والفلاح: المسألة الزراعية فى مصر 1958. كما ترجم دراسات قيمة مثل:قناة السويس: ملكية وطنية للشعب المصرى، ترجمة لدراسة عن تأميم شركة القناة للكاتبة السوفيتية جالينا نيكتينا، مارس 1957. والاستقلال والطريق إلى الاشتراكية، ترجمة لدراسة علمية عن الحركات القومية فى المرحلة الحاضرة من تاريخ العالم، للعالم البولونى جوليان هوخفيلد، نوفمبر 1957...ونشير أيضا لدراستين مهمتين هما: النهرية، الفكر المعاصر، عدد 50، ابريل 1969.والمستقبلية الماركسية، الشرارة (دورية فكرية لبنانية تصدر كل شهرين رأس تحريرها الدكتور غالى شكري)، العدد الأول، السنة الأولى، سبتمبر/ أكتوبر، 1974. ويمكن القول بأن ما تضمنته ابداعات إبراهيم عامر الفكرية من كتب ودراسات وترجمات وتحليلات تعد مصدرا لكثير من الدراسات التى صدرت منذ الستينيات وحتى الان سواء التى تتعلق بتاريخ مصر الاجتماعى والاقتصادى والسياسى وبخاصة التى تناولت المسألة الفلاحية/ الزراعية/النهرية، أو بالقومية كمفهوم وممارسة، أو بالاستقلال الوطنى الاقتصادى والسياسى، أو بالتفاعلات الدولية وأثرها على مصر يوليو 1952: الثورة والدولة، أو المستقبليات،...،إلخ...

إبراهيم عامر هو واحد من السلسال المصرى للإبداع الفكرى والنضال الوطنى الذين أعطوا ولم يأخذوا إذا ما استعرنا العبارة التى وردت على لسان أحد أبطال الملحمة التاريخية الخالدة ليالى الحلمية...فلقد استطاع أن ينجز الكثير فى عمر قصير...ويشرفنى أن نذكره فى ذكرى رحيله الـ45 كنموذج للعطائين المصريين الذين لم ينتظروا قط مقابلا لإبداعاتهم ونضالاتهم...وأتمنى الاحتفاء به فى ذكرى مئوية ميلاده التى تحل العام القادم لتكريمه فى سياق تقليد رد الاعتبار الذى انطلق مؤخرا للحضارة المصرية ولمحمد نجيب ويوسف صديق.

طباعة
0
0
0
s2smodern
powered by social2s