أحلام فترة العزلة (14).. المسلسلات الرقمية: زمن جديد

المقالات

(1) «دراما المواسم»
أتاحت لنا المنصات الرقمية المتخصصة فى إنتاج دراما المسلسلات - وتحديدًا الأجنبية - أن نعيش أحلامًا حقيقية واعية لعوالم جديدة تختلف جذريًا عن مضامين المسلسلات التى كنا نراها عبر التليفزيون، بداية من ستينيات القرن الماضى وما بعدها...

فالمسلسلات التى تنتجها هذه المنصات والتى يمكن أن نطلق عليها «المسلسلات الرقمية» تتناقض كليًا مع زمن المسلسلات الأجنبية فى جيلها الأول مثل: «لوسى، وبيرى ماسون، وبونانزا، ومفقودون فى الفضاء، وفلينت ستونز، وأدامز فاميلى، وباتمان، وسوبرمان، وأحب جينى، وبيتون بليس، والهارب، والمنتقمون، والغزاة، وناس فوق وناس تحت، وطوارئ، ومنزل صغير فى البرارى، وكوينسى، وكولمبو، وجى آر، والثنائى الغريب»... إلخ.. فالمسلسلات السابقة، التى تربينا عليها وعشنا وارتبطنا بها على مدى عقود، لا تتشابه من قريب أو من بعيد - لسبب أو لآخر - مع مسلسلات الزمن الرقمى كليا.. ودليلى على ذلك هو هذا الإبهار الذى تقدمه المسلسلات الرقمية مثل: «إيميلى فى فرنسا، وملكة المناورة الشطرنجية، والتاج البريطانى، وشيرلوك هولمز، والقائمة السوداء، ومجتمع الـ3%، وفرويد، واللائحة، والصيادون، وأنت، والخارج، وبرلين، والبابا الجديد، والمُحقق، ومعركة الخير، وخلافة... إلخ»، وذلك من حيث: نوعية الموضوعات المطروحة، المعالجات، طرق السرد، الخطوط الدرامية وكيفية نسجها، الحبكة، التقنيات المستخدمة... إلخ.. والتى دفعت منصات الإنتاج الرقمية إلى أن تعتمد نظام «إنتاج المواسم» لكل مسلسل.. فنظرا للنجاحات التى تحققها هذه المسلسلات، فإن إنتاجها يستمر لأكثر من موسم. وبحسب درجة النجاح وانتشاره النوعى: الجيلى، والاجتماعى، والجغرافى الذى بات كوكبيًا... إلخ، يزيد أو يقل عدد المواسم وعدد الحلقات فى كل موسم.. هذا لا يعنى أنه لا توجد مسلسلات تكتفى بموسم عرض واحد تبعا للموضوع مثل مسلسل «هيو جرانت» و«نيكول كيدمان» الذى انتهى عرضه مؤخرا وتكون من ست حلقات.. ولكن ما الجديد تحديدًا الذى تقدمه المسلسلات الرقمية؟.

(2) «دراما رقمية مركبة»

تعكس المسلسلات الرقمية من حيث مضامينها ومعالجاتها ما تعيشه الإنسانية من زمن جديد على المستويين القيمى والعلائقى... فموضوعات الدراما الرقمية مركبة... حيث يتضمن كل مسلسل عدة خطوط درامية فى وقت واحد، تتشابك وتتداخل فيما بينها بمهارة بالغة دون أن تخل بالإيقاع الدرامى أو تربك التتابع المنطقى للدراما، بل على العكس تماما، فإنها تثير الدهشة وتحفز على المشاهدة.. خاصة مع التوظيف الصحيح والدقيق للتقنيات التكنولوجية فى خلق حالة من الإبهار المذهل.. ناهيك، بالطبع، عن طبيعة الموضوعات التى تتناولها المنصات الرقمية وتقوم بإنتاجها. كذلك الكيفية التى تعالج بها هذه الموضوعات.. ما يجعلها تختلف كليا وجذريا عن المضامين التى ألفها جيل التليفزيون فى الستينيات. والأهم هو أنها تعكس فى المجمل جوهر وطبيعة الزمن الجديد الذى تعيشه الإنسانية... لماذا وكيف؟.

(3) «تحرر وتواصل»

بداية، نؤكد أن المسلسلات الرقمية متحررة - نسبيا - من الشروط والقيود والمحاذير التقليدية التى كانت تفرضها شركات الإنتاج التاريخية. فكل شىء قابل للنقاش. كما أنها أيضا قد تحررت - كثيرا - من وسائط التوزيع المتعددة الواقعة بين الشركة المنتجة الأم والمشاهدين بحسب الإنتاج «الهوليودى/ البوليودى» التاريخى، حيث خلقت المنصة الرقمية تواصلا مباشرا مع المشاهد عبر اشتراك خاص أو جماعى فى الإنترنت (يمكن مراجعة الحلم التاسع من أحلام فترة العزلة - قبل أسابيع - المعنون: «أحلام دليفرى»؛ والذى كتبنا فيه شبكة «نتفليكس» وتواصلها مع المشاهدين مباشرة).. ونظرًا للعلاقة المباشرة بين المنصة الرقمية والمشاهدين، أصبحت هناك فرصة لأن يشارك المشاهدون تشكيل العملية الإبداعية... إلا أن أهم ما قدمته هذه المسلسلات - فى تقديرى - هو طرحها رؤى غير نمطية للعالم والمجتمع والمؤسسات... ليست رؤى مفارقة للواقع أو خادعة أو تجميلية أو زائفة، وإنما هى انعكاس لتحولات الزمن الألفى وسمات الجيل الرقمى - بدرجاته المتعاقبة - بقيمه وممارساته وتحيزاته واختياراته وتطلعاته... لذا سقط الكثير من الصور النمطية المتكررة التى تعودنا عليها - لعقود - فى الدراما ما قبل الرقمية... وحلّت صورة ثرية مثيرة للدهشة ودافعة للتأمل ومحفزة على الفعل... أو بحسب ما وصفناها مرة «عالم من الأحلام المبدعة»؛ نواصل أحلامنا الواعية مع جديد الإبداع من المسلسلات الرقمية.

طباعة
0
0
0
s2smodern
powered by social2s