تأملات كروية (2): سر الاختراع.. «الدماغ»

تأملات كروية الزيارات: 2608

(1)

هل تذكرون فيلم عبدالحليم حافظ «ليالى الحب» عندما اخترع قماشا مقاوما للحرق.. ثم نسب رئيسه الاختراع لنفسه أمام صاحب الشركة.. وعندما أُقر الاختراع من حيث المبدأ اكتشف مجلس الإدارة ضرورة توفر التركيبة الكيميائية التى ستدخل فى صناعة القماش وتؤمنه من الاستجابة للاشتعال.. وهنا بدأ الجميع عملية البحث عن «سر الاختراع» أو «الدماغ».. وكانت اللزمة الشهيرة للعملاق سراج منير: «فين الدماغ، هاتولى الدماغ».. الدماغ فى واقع الأمر يعكس القواعد الحاكمة للفكرة وكيفية تجسيدها عمليا بصورة ناجحة قدر الإمكان.. والخفايا المحددة للفكرة وأسس تنفيذها واقعيا.. أو ما بات يعرف تقنيا بـKnow How.

(2)

وسر الاختراع لم يعد وقفا على الاختراعات العلمية، وإنما امتد ليشمل كل مجالات الحياة، بما فيها كرة القدم، نعم كرة القدم.. فلم تعد كرة القدم محض لعبة يمارسها الموهوبون.. وإنما أصبحت علما له أسراره العلمية. حيث تتضمن إعداد اللاعب بدنيا وذهنيا ونفسيا ومهاريا ورفع قدراته لتنفيذ خطط وطرق اللعب والقدرة على تغييرها وفقا لمقتضيات اللعب ميدانيا، وكذلك فنيات الحركة بكرة وبدونها، وكيفية الانخراط فى فريق جماعيا، وكيفية تفادى الإصابات والوقوع بصورة تقلل منها… إلخ. وكل ما سبق وأكثر عكسته بطولة كأس العالم الأخيرة التى جرت فى البرازيل.. كيف؟

(3)

كان من المتعارف عليه تاريخيا أن بطولات كأس العالم تضم قوى تقليدية، ودائما هناك ما يعرف بـ«الحصان الأسود» للبطولة، أى فريق يقوم بأداء متميز غير متوقع ويحقق مفاجآت معتبرة.. إلا أن هذه البطولة الأخيرة شهدت- لأول مرة وبإجماع الآراء- صعود كثير من الفرق وقدرتها على المنافسة مع القوى الكروية التقليدية بل وإحراجها وإزاحتها فى بعض الحالات.. ما يعكس أن سر الاختراع لم يعد حكرا على فرق بعينها وإنما أصبح متاحا لمن يريد أن يكون له مكان فى عالم اليوم، ولعل ذلك يحسب لزمن العولمة، على الرغم من أى تحفظات.. إلا أن سر الاختراع الذى بات متاحا سوف نجد تنوعا فى كيفية استخدامه، وهو اختلاف يعكس بدقة درجة تقدم الأمم، وكيف تسلك متى ملكت سر الاختراع.. كيف؟

(4)

أولاً هناك دول عرفت سر الاختراع تاريخيا، ومنها من اجتهد فى تطويره، ومنها من تراخى فى ذلك لأسباب عديدة.. وهناك دول اجتهدت فى إطار اجتهاد تنموى شامل فى أن تعرف سر الاختراع وباتت تنافس القوى التقليدية مثل تشيلى وكوستاريكا (تحدثنا منذ سنوات عن تقدمهما اللافت فى نفس هذا المكان) وكرواتيا، فبلغت أدوارا أعلى فى سلم البطولة، بلغة أخرى فإن تفوقها هو تفوق فى إطار تقدم عام، ودول على الرغم من تأخرها التنموى إلا أن احتراف لاعبيها فى دول تملك سر الاختراع قد مكّنها من أن تجعل دولها الأصلية قادرة على المنافسة وإن كان بحساب، لذا كان سقف تأهلها للأدوار الأعلى له حدود. خاصة أن لاعبى هذه الدول قد ساوموا دولهم الفقيرة من أجل المال، أو وظفوا التفوق للتغطية على إخفاقات الداخل. وهناك دول تصورت أن شراء سر الاختراع بما لديها من مال وفير، بسبب تقدم قد بلغته حقيقى وشامل، يكفى لتحقيق التفوق الكروى، وهو ما ثبت أنه يحتاج إلى مراجعة، وهو ما ينطبق على اليابان وكوريا الجنوبية، حيث ما لم يتم توطين سر الاختراع وطنيا لا يمكن أن تتحقق إنجازات دائمة وإنما تكون طارئة، وهكذا…

(5)

ألم أقل لكم إن بطولة كأس العالم جديرة بالتأمل.. سر الاختراع فى إطار منظومة تقدم شاملة وتوطينها وطنيا/ محليا هو المدخل لتحقيق البطولات.

 
طباعة
0
0
0
s2smodern
powered by social2s