المواطنون الأقباط والانتخابات.. (2)

المواطنون الأقباط والانتخابات الزيارات: 2888

حاولنا أن نضع فى مقالنا السابق منهجا يحكم رؤيتنا للأقباط: هل هم «مواطنون»، أم «أقلية دينية»، أم «ملة»؟ فبحسب الرؤية تتحدد تصوراتنا حول الكيفية التى نتناول بها ما يتعلق بالشأن القبطى، ومن ضمنها المشاركة فى العملية الانتخابية، وحتى نتمكن من تحليل المشاركة القبطية فى الانتخابات الأخيرة، ربما يكون من المفيد أن نلقى الضوء على مسيرة المشاركة السياسية للأقباط منذ تأسيس الدولة الحديثة…

(1)

يمكن القول إن الحضور السياسى للأقباط مثله مثل حضور باقى المصريين يرتبط، أساساً، بمدى الحضور فى البنية الاجتماعية والطبقية أولا. فالمشاركة السياسية وطبيعة المشاركين تكون تالية فلا توجد مشاركة فى الفراغ. لقد كان تأسيس الجيش الوطنى هو اللبنة الأولى فى تأسيس الدولة الحديثة بدلالته الوطنية الجامعة، ومن الناحية الاقتصادية الاجتماعية تمت إعادة «صياغة التركيب الطبقى للمجتمع»، فاستفاد بعض كبار الموظفين القبط من هذا التغيير الذى فتح الطريق عمليا للتغييرات التى طرأت على توزيع الملكية لكى يدخل وجهاء القبط فى عداد كبار ملاك الأرض، وقد أتاحت هذه التغييرات، بالنسبة للمصريين، أن يتملكوا الأراضى الزراعية ويصيروا ملاكا للأرض للمرة الأولى، وقد كان الأقباط جزءا لا يتجزأ من «هذه الطبقة»، وتشكلت ممارسة سياسية قوامها ملاك الأرض تجسدت فى مجلس شورى النواب فى عام 1866، إبان الخديو إسماعيل تكون من 75 عضوا من بينهم 6 أعضاء.

(2)

وهكذا شكل مجموع السياسات العملية التى نفذت فى القرن 19، وإن اختلفت منطلقاتها وحيثياتها، الظروف المادية والفكرية لإعمال مبدأ المساواة بكيفية ضمنية أو معلنة وهو ما سمح أن تجد الجدلية المجتمعية،من حيث الحضور القبطى فى المجتمع والقبول بالتعددية واقعيا، مجالا للممارسة، وآفاقا للانخراط الرأسى فى جسم المجتمع امتد للمدينة من خلال النشاطات الحرفية والتجارية والمالية والصناعية البازغة لاحقا.

(3)

كشف تطور المجتمع المصرى إبان الحرب العالمية الأولى، عن تطور البرجوازية المصرية وتوسعها إلى حد ما وزيادة ثروتها، ما أدى إلى نمو وعيها وإحساسها بأهمية السوق الوطنية، فكان الاستقلال الوطنى هو شعار الطبقة البازغة التى تتضمن حماية لمصالحها، وهنا بلغ الاندماج الوطنى مداه فى ثورة 1919 بحسب أبوسيف يوسف، «بين المسلمين والقبط»، وانعكس ذلك فى مشاركة سياسية من قبل المصريين عامة والأقباط خاصة.

وتشير نسب المشاركة السياسية والحضور القبطى فى انتخابات: 1924، 1925، 1926، 1929، 1931، 1938، 1942، 1945، 1950 إلى أن الانتخابات التى كان يحصل فيها الوفد على الأغلبية باستثناء انتخابات 1950، كانت هى التى يصل فيها عدد الأقباط إلى أكثر ما يكون بنسبة تتراوح بين 8% و10.5%، والعكس بالعكس، ودلالة ذلك تأكيد الصفة السياسية للانتخابات وليس الدينية.

(4)

لم تستطع ثورة يوليو أن تستمر فيما أسسته ثورة 1919، بالرغم من أنها استطاعت أن تحافظ على الشراكة الوطنية، بسبب المشروع الاجتماعى الذى فتح أفقا لشرائح اجتماعية جديدة من كل المصريين ليكون لها نصيب من العائد العام للبلاد. إلا أنها لم تعط العناية نفسها للبعد السياسى المدنى فوجدت غيابا قبطيا، ولحل الغياب القبطى فكرت فيما عرف عام 1957 بـ«إغلاق الدوائر»، أى تخصيص عدد من الدوائر للأقباط واقتصارها عليهم. ثم استحدثت مبدأ التعيين، بحسب المادة 49 للدستور لسنة 1964، حيث نصت على أنه «لرئيس الجمهورية أن يعين عددا من الأعضاء لا يزيد عددهم على عشرة أعضاء» (وأدرج هذا النص فى دستور 1971، ولم يزل معمولا به حتى الآن)، وعلى الرغم من عدم النص على ديانة العضو المعين، فإن العرف جرى بأن يستفاد من هذا النص فى تعويض غياب الأقباط، وعليه نجد أن برلمان 1964 انتخب فيه قبطى واحد، وتم تعيين 8 أقباط، وأن برلمان 1969 انتخب فيه قبطى واحد، وتم تعيين 7 أقباط، وأظن أن ما جرى فى الحقبة الناصرية متسق مع طبيعة المرحلة، التى هى تعبير عن الطبقات الوسطى الصاعدة، كذلك تعبير عن أولوية الاجتماعى على السياسى فكانت المساواة بين الجميع فيما هو اجتماعى، حتى فى التصعيد السياسى كان للتكنوقراط الأقباط من جهة وللأنتلجنسيا القبطية من جهة أخرى، ولكن الإشكالية كمنت فى بداية الحقبة الساداتية حيث تم التعامل مع الأقباط كجماعة دينية.. كيف؟.. وهكذا تتحدد المشاركة من عدمها نتيجة طبيعة المرحلة والسياق المجتمعى..

نستكمل الحديث الأسبوع المقبل.

 
طباعة
0
0
0
s2smodern
powered by social2s