الثورات المصرية (7): تساؤلات حول اللحظة الثورية ومستقبلها

الثورات المصرية الزيارات: 2631

«الثورة تطرح على بساط البحث من جديد المسلمات، بصدد غايات المجتمع التى نعيش وفقها»… لتجاوزها جذرياً

عبارة قرأتها منذ زمن لـ«روجيه جارودى» فى كتابه «البديل» الذى قدم فيه تحليلاً راقياً، ومعتبراً لثورة الشباب فى فرنسا عام 1968.. أستعيدها الآن ونحن نتحدث عن مستقبل العملية الثورية فى مصر بعد أن أفردنا ست حلقات حول المسار الثورى المصرى منذ عصر الفراعنة إلى بداية الدولة الحديثة. المسار الثورى المصرى الذى تبينا أنه حالة مستمرة وممتدة عبر العصور، ناضل المصريون فيها سعياً لتجاوز واقع القهر والظلم والاستبداد والتخلف من أجل واقع جديد أكثر عدلاً ومساواة ومشاركة فى إطار دولة المواطنة. النضال الذى تجدد مطلع هذا العام مع انطلاق الموجة الأولى من الحراك الشبابى الشعبى فى 25 يناير الماضى.

وتأتى أهمية عبارة «جارودى» من أنها تحمل الكثير والكثير من المعانى، حيث مثلت المنهجية التى تناول من خلالها تحليل ثورة الشباب فى أوروبا. ففى ضوء هذا المنهج قدم نموذجاً بحق فى كيفية تقييم العملية الثورية، وتقييم عناصرها، ووضع مؤشرات تُقيم مدى سلامة المسار الثورى، كذلك قدرة القوى الثورية على المضى قدماً لتحقيق الأهداف الموضوعة وأخيراً ما هو مستقبل العملية الثورية برمتها بتفاعلاتها وعلاقاتها المختلفة. وأظن أنه لا غضاضة فى استلهام بعض الخبرات التاريخية التى قاربت التجارب الثورية المختلفة بغرض تقويمها لتصويب وضبط اللحظة الثورية التى تخص تجربتنا المعاصرة، خصوصاً مع كثرة التحليلات التى تشهدها الساحة المصرية، والتى لا يقترب بعضها من «الثرثرة الثورية» إذا ما استعرنا التعبير « اللينينى» الشهير، والذى بات «يغلوش» على الكلام الجدى وعلى البحث المنهجى المطلوب. ففى هذه اللحظة التاريخية المهمة التى تمر بها البلاد ما أحوجنا إلى التفكر الذى ضمن لنا تحولاً سياسياً آمناً على أسس علمية يحقق لنا ما يضمن التقدم نحو مصر جديدة.

ربما يكون السؤال المحورى الذى يجب أن نبدأ به أى حديث عن مصر الجديدة، هو: ما محرك الرغبة إلى التغيير التى شهدتها البلاد مطلع هذا العام؟ ومن هى القوى التى قامت بذلك؟ وهل حققت أهدافها؟ وما الذى تبقى من أهداف؟… أخذاً فى الاعتبار أن طرح هذه الأسئلة لابد أن يكون من منطلق أن التغيير يعنى تحولاً جذرياً فى البنى المجتمعية المتعددة بما تتضمن من قيم وأفكار واتجاهات وسياسات. فالتغيير الحقيقى يعنى تغييراً فى جوهر النظام القديم، وحلول نظام جديد مكانه بقيم وأفكار واتجاهات وسياسات جديدة تتجسد فى الاقتصاد والثقافة والسياسة والتعليم والرياضة والفن.. إلخ، من حيث «الغايات والمضمون والطرائق والأساليب»، بالصورة التى تعكس أن جديداً قد أخذ طريقه نحو التشكل. فى هذا السياق لابد من فهم أن هذا الجديد المجتمعى لابد له من قوى جديدة تحركه ليست هى القوى القديمة التى تم الاحتجاج عليها والتحرك ضدها، قوى اقتصادية وسياسة وجيلية وثقافية… إلخ.

بلغة أخرى، أين نقف بالضبط فى هذه اللحظة التاريخية من المسيرة الثورية التى بدأت فى مطلع هذا العام؟ وهل بالفعل استطعنا إحداث تغيير فى مجمل البنى الاقتصادية والسياسية والثقافية والفكرية والتعليمية والفنية… إلخ؟ أو على الأقل ــ وهذا أضعف الإيمان ــ بدأنا مسيرة التغيير نحو بناء جديد شامل.

إن مشروع مصر الجديدة، الذى أظنه هدف الرغبة فى التغيير، لم يزل تحت الإعداد. وظنى أن النقاشات الدائرة لم تزل محصورة فى التفاصيل والمساومات التى تعكس أن القديم لم يزل حاضراً، وأن هناك تراوحاً ومقايضة تجعل مشروع التغيير الثورى مقيداً بين النقيضين، سياسات محسنة بعض الشىء تقودها بيروقراطية وتكنوقراط كل العصور ولكنها لا ترقى إلى مشروع تنموى متكامل لمصر جديدة تقوده قوى تغيير حقيقية.. إنها إشكالية التجاور بين القديم والجديد المقيدة للتقدم.. أو إشكالية الثوب الجديد أم الرقعة الجديدة التى عرضنا لها مبكراً.

 
طباعة
0
0
0
s2smodern
powered by social2s