الدين والمجتمع - الدولة والثقافة والعالم

الدين والمجتمع/الدولة والثقافة والعالم
إطلالة على خريطة الأدبيات المعاصرة
(نص أولي غير قابل للاقتباس)

 

المحتويات

(1) مدخل
(2) الدين في المجال العام.
(3) الكتابات التأسيسية.
(4) كتابات الموجة الأولى.
(5) كتابات الموجة الثانية.
(6) كتابات الموجة الثالثة.


(أ) مدخل

تهدف هذه الدراسة إلى معرفة خريطة الأدبيات العالمية التي تناولت موضوع الدين وعلاقته بكل من المجتمع والدولة من جهة، وأثره العالمي عندما أصبح الدين أحد مكونات منظومة العلاقات الدولية، من جهة أخرى.فلقد شهدت السياقات المحلية المختلفة نموا مطردا لمسيرة العلاقات المتداخلة بين الدين والسياسة والمجتمع والثقافة في كما شهدت تقاطعا تجاوز الداخل المحلي إلى الخارج الدولي وذلك في إطار جدلي مع التحولات العالمية منذ منتصف القرن العشرين إلى يومنا هذا.
فلاشك أن من أهم الظواهر التي ميزت، أكثر من، الثلث الأخير من القرن العشرين هو الحضور الفاعل للدين في المجال العام. فالدين لم يقف عند حد العلاقة الخاصة بين الإنسان وربه في إطار ما يعرف بالمجال الخاص، وإنما امتد ليتشابك مع حركة الإنسان في المجال العام أي فيما يتعلق بالمدني والسياسي والاقتصادي وبطبيعة الحال الاجتماعي. وذلك لاعتبارات تتعلق بتأزم الواقع أمام الشرائح الاجتماعية الوسطى والدنيا،في بعض الحالات، من جانب،وبالصراع الثقافي في البلدان المتقدمة بين التيارات الليبرالية والراديكالية والمحافظة من جانب ثاني،ولأسباب تتعلق بالتنافس بين النخب السياسية في بعض الحالات ،من جانب ثالث.بيد أنه في كل الحالات نجد الدين قد بات حاضرا في المجال العام بدرجة أو أخرى.
ونتج عن ذلك أمرين:
الأول، أن صار الدين، بالنسبة للأفراد، طرفا في النزاعات اليومية للمجال العام بأبعاده المختلفة.
والثاني،هو تشكل حركات سياسية واجتماعية وثقافية ذات مرجعية دينية في كل بقاع الأرض.

(ب) الدين في المجال العام:تجليات ثلاثة

وما أن بات الدين حاضرا في المجال العام،تنوعت توجهاته وأهدافه بحسب الموقع الاقتصادي والاجتماعي وطبيعة الوعي الثقافي للفئة التي تتبناه.وفي هذا السياق يمكن رصد ثلاثة تجليات رئيسية سياسية للدين مع بداية انطلاق هذه الظاهرة في ستينيات القرن الماضي.
التجلي الأول:الحركات الدينية التي انحازت للفقراء والمستضعفين و المهمشين،وناضلت من أجل قيم العدل الاجتماعي ومواجهة الظلم والقهر السياسي والاجتماعي (حركة علي شريعتي في إيران،وحركة لاهوت التحرير في أمريكا اللاتينية،وحركة المسيحية الجديدة في الولايات المتحدة الأمريكية، وحركة غريغوار حداد في لبنان،وحركات لاهوت الأمل والرجاء والتحرر في أوروبا).
التجلي الثاني:الحركات الدينية التي عنيت بالأخلاق ومواجهة الكوارث التي جرتها الحداثة على الإنسان المعاصر من تفكك أسري وتلاعب بالسنن الإلهية(اليمين المسيحي الجديد في أمريكا،الاتجاهات المحافظة في الثورة الإيرانية والفاتيكان،الحركات الإسلامية الجهادية).
التجلي الثالث:الحركات الدينية التي عنيت بالجوانب القيمية والرعائية والإرشادية والوعظية ومحاولة لعب دور وسطي بين التجليين الأول والثاني.
وظلت هذه التجليات تطرح نفسها لأكثر من عقد ونصف (من منتصف الستينيات إلى سنة 1979)،وأصبحت مصدرا للتحليل وفتحت أفقا بحثيا جديدا لم تعرفه الدراسات التي عنيت بالعلاقة بين الدين والسياسة منذ هيجل وماركس وماكس فيبر..الخ.
فلقد كان السؤال الأساسي ـ في ظني ـ والذي انطلقت من على أرضيته الدراسات الدينية “الزمنية”والذي انشغل به العديد من الباحثين والمؤرخين أثناء صعود الرأسمالية في أوروبا والتي رافقها المذهب البروتستانتي”أيهما صنع الآخر هل الأفكار البروتستانتية هي التي أحدثت التحولات الاقتصادية أم أن التحولات الاقتصادية هي التي أنبتت الأفكار البروتستانتية”. وبغض النظر عن التفسير ومهما كانت الإجابة فإن القطعي هو أن الحراك الاجتماعي للطبقات البرجوازية الصاعدة والتأسيس المذهبي الجديد كان يحتاج إلى تفسير يتجاوز الديني اللاهوتي إلى ما هو ديني مجتمعي.
وهنا نشير إلى أن الكتابات التأسيسية قد أعقبها ثلاث موجات من الكتابات ارتبطت بالتحولات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية التي طرأت على المجتمعات المختلفة حيث تنوعت المقاربات والمعالجات والتحليلات وكانت التجليات الثلاثة سالفة الذكر محورها.

(ت) الكتابات التأسيسية

وقبل أن نلقي الضوء على مسيرة هذه الكتابات والتي تعاقبت في أربع مراحل(مرحلة تأسيسية وثلاث موجات في الفترة من 1910 إلى 2010) على مدى أكثر من مائة عام،لابد من الإشارة إلى أننا نميز هذه الكتابات عن نوعية أخرى من الكتابات تناولت الدين من منظور كونه تعبير عن الإلهي والمقدس وتناولت النصوص المقدسة ومحاولة تفسيرها كذلك العقيدة،والعبادات والطقوس،والحرام والحلال،..الخ.
فالكتابات التي نقاربها تقع في منطقة التماس بين الديني والمجتمعي بأبعاده المختلفة.وقد مرت في أربع مراحل،مرحلة تأسيسية أعقبها ثلاث موجات من الكتابات ارتبطت كما ذكرنا بتحولات نوعية تعرضت لها البشرية.
ففي المرحلة التأسيسية،أنتج العقل البشري مجموعة من الكتابات التي مثلت مقاربات متعددة لدراسة الدين،وأُعتبرت نقلة عن الدراسات “المقدسة” التي اشرنا لها من قبل،حيث عدت هذه الكتابات “زمنية”بمعنى ما.ويمكن القول أن هذه الكتابات بأنواعها تعد البنية التحتية العلمية لكل الكتابات التي أنتجها العقل البشري في موجاته الثلاث لاحقا.ويمكن لنا أن نرصد سبع مقاربات “زمنية” للكتابات التأسيسية التي تناولت الدين في الفترة من بعد منتصف القرن التاسع عشر إلى مطلع القرن العشرين وذلك كما يلي:
1) المقاربة الفلسفية.
2) المقاربة الاقتصادية.
3) المقاربة السوسيولوجية.
4) المقاربة السياسية.
5) المقاربة النفسية.
6) المقاربة التاريخية.
7) المقاربة الإثنولوجية.
8) المقاربة الفينومينولوجية.
وقد ظهرت كل هذه المقاربات في توقيتات متقاربة،مع إنطلاق الثورة الصناعية وبداية التحرك الدولي العابر للقارات.ويلخص هذا الجدول أهم أسماء الكتاب وأعمالهم التي عبرت عن كل مقاربة.

المقاربة أهم كتابها أهم الأعمال
أولا: المقاربة الفلسفية. هيجل فلسفة القانون.
ثانيا:المقاربة المقاربة الاقتصادية كارل ماركس وفردريك انجلز كتابات متنوعة
ثالثا:المقاربة السوسيولوجية ماكس فيبر الأخلاق البروتستانتية وروح الرأسمالية.(1905)
إميل دوركهايم الأشكال الأولية للحياة الدينية(1912).
رابعا:المقاربة السياسية اليكسي دي توكفيل السمات الدينية للديمقراطية , (الديمقراطية في أمريكا 1835).
خامسا:المقاربة النفسية كارل يونج التحولات في رموز الليبيدو(1912).
سيجموند فرويد الطوطم والمحرم(1913)
سادسا:المقاربة التاريخية رافاييل بتازوني علم الأديان العام(1913).
سابعا:المقاربة الإثنولوجية فلهلم شميدت أصل فكرة الإله(1912_1955).
ثامنا:المقاربة الفينومينولوجية فان درلووي فينومينولوجيا الدين(1933)

(ث) كتابات الموجة الأولى

في الفترة ما بين الحرب العالمية الأولى ومنتصف الخمسينيات،ظهرت كتابات الموجة الأولى بفعل التغيرات التي طرأت على العالم.فلقد دخلت الولايات المتحدة الأمريكية إلى قلب الساحة الدولية،وبزغت قوى أخرى واستقلت بلدان وبدأت تثور أخرى.وهنا ظهرت إلى الوجود كتابات أكثر تعقيدا بعضها من داخل المؤسسات الدينية وبعضها من داخل الحركات السياسية الثورية في العموم.وأخذت الموضوعات تقترب من الأرض أكثر فأكثر، واعتبار الشأن الديني هو دائما “شأن تاريخي واجتماعي وثقافي ونفساني..”.وأن المعطيات المجتمعية تساعد على فهم السياق الحي للدين عبر الإنسان/المجتمع في تفاعلات كل منهما على أرض الواقع، وعدم تأويله تأويلا دينيا مجردا.ويلاحظ هنا أن المقاربات قد باتت متداخلة ومركبة فلا يستطيع المرء أن يفصل بين الفلسفي والسياسي والاقتصادي والنفسي..الخ.كذلك تم الاستعانة بالعلوم البازغة آنذاك مثل علم الإحصاء.
ويمكن هنا أن نذكر أهم الكتاب و الكتابات في الجدول التالي:

الكاتب العمل
1) جواشيم واش. مدخل إلي سوسيولوجيا الدين (1931).
سوسيولوجيا الدين (1944).
2) تالكوت بارسونز. التطور النظري لعلم اجتماع الدين (1944).
تجاور أرشيفات سوسيولوجيا الأديان،
جغرافيا الممارسة الدينية.
تصنيف المؤمنين وفق المعطيات الاجتماعية.أو سوسيولوجيا الممارسة الكاثوليكية.

(ج) كتابات الموجة الثانية

رصدت “كتابات الموجة الثانية” التجليات الدينية بتنوعاتها والشخصيات الهامة التي أنجزت في هذا السياق ولعل أبرز رموزها:ستيف بروس،ودانييل هرفييه ليجير،وخوسيه كازانوفا، والتي أنتجت مراجع هامة(منذ مطلع السبعينيات) حول العلاقة بين السياسة والدين في سياقات متعددة من العالم في إطار التحولات التاريخية الذي شهدها المسرح العالمي. ويمكن القول أن هذه الموجة من الكتابات تغطي مرحلتين تاريخيتين من تاريخ الإنسانية هما:
1) مرحلة التحرر الوطني من 1955 إلى 1979.
2) مرحلة المحافظة الدينية من 1979.

أولا: مرحلة التحرر الوطني من 1955 إلى 1979

فمنذ منتصف الخمسينيات، ظهرت الحركات الاجتماعية التي تدافع عن الفقراء والمهمشين وبدأت أصوات من داخل الكنائس الكاثوليكية المحلية فى دول أمريكا اللاتينية تطرح أسئلة جديدة مثل:
طبيعة التواجد الكنسي بين الناس،
والرسالة التي تتبناها الكنيسة نحوهم، والتي تعالج بها قضاياهم وهمومهم الحياتية اليومية وبالأخص قضايا الفقراء .
وربما يعد لقاء أساقفة أمريكا اللاتينية الأول والذي عقد بريو دي جانيرو عام 1955 مؤشراً هاماً على بدء اهتمام الكنيسة بالمشاكل الاجتماعية للقارة . وفى تقديري أن المد الوطني الذي رافق هذه الفترة بالنسبة لدول العالم الثالث عامة ، ودول قارة أمريكا اللاتينية خاصة ، قد ساهم بشكل كبير في إعادة ترتيب الأولويات التي تعنى بها الكنيسة .
ويمكن اعتبار عام 1960 نقطة تحول رئيسية في موقف الكنائس المحلية في دول أمريكا اللاتينية ، فمنذ هذا التاريخ هبت رياح تجديد عظيمة على هذه الكنائس حيث بدأت الجماهير بالاشتراك مع رجال الدين بالاهتمام بالبعد الاجتماعي في الإرسالية الكنسية واستجابت بذلك إلى دعاوى التقدم والتحديث وقتذاك .
وقد تكونت في سبيل ذلك العديد من الحركات الشعبية مثل:
حركة الطلبة المسيحيين،
و حركة العمال المسيحيين،
و حركة الفلاحين المسيحيين،
و حركة التعليم الأساسي.
ولاشك أن الاهتمام بالبعد الاجتماعي في الفكر الديني من جانب، وتكوين حركات شعبية من جانب آخر، كان له عظيم الأثر على موقف الكنيسة الكاثوليكية الرسمية (الفاتيكان ) في الاستجابة للواقع الجديد.حيث بادر البابا يوحنا الثالث والعشرين إلى عقد ما عرف بمجمع الفاتيكان الثاني في الفترة من أكتوبر 1962 وحتى ديسمبر 1965 ، الذي جاء على عكس مجمع الفاتيكان الأول حيث قام بمراجعة نقدية ذاتية للكنيسة الكاثوليكية بهدف مسايرة العصر ومستجداته وقد أنتج هذا المجمع ست عشرة وثيقة مسكونية ، وتركزت هذه الوثائق على إعادة تنظيم الكنيسة داخليا وعلى إعادة تحديد علاقاتها بالإضافة إلى مناقشة شتى القضايا : مثل العدالة الاجتماعية ، الإعلام ، التنمية ، … الخ، ومحاولة تقديم رؤية جديدة من منظار مسيحي حول هذه القضايا.
وكما كان مجمع الفاتيكان الثاني استجابة موضوعية للواقع الجديد في دول أمريكا اللاتينية فإنه في الوقت نفسه أعطى المشروعية للإرهاصات الفكرية المجتمعية التي خرج من عباءتها حركة “لاهوت التحرير” فكرا وممارسة. وبالفعل عقدت لقاءات متعددة في كثير من دول أمريكا اللاتينية مثل : كوبا وكولومبيا والبرازيل أثناء وبعد انعقاد مجمع الفاتيكان الثاني وصبت كل هذه اللقاءات في النهاية في مؤتمر “ميديليين ” التاريخي بكولومبيا، والذي عقد عام 1968 وهو المعروف بالمؤتمر الثاني لأساقفة أمريكا اللاتينية.
وليس صدفة أن تنتشر الحركات الدينية ذات التوجه المجتمعي المنحازة إلى الفقراء والمهمشين في كل دول العالم دون تفرقة فنجدها في:
إيران ممثلة في حركة علي شريعتي،
الولايات المتحدة الأمريكية ممثلة في حركة المسيحية الجديدة،
المنطقة العربية ممثلة في حركة غريغوار حداد،
أوروبا ممثلة في حركة سوسيولوجيا الأمل لهنري ديروش،وكانت حركة دومينيكانية تعترض على المقاربة الكاثوليكية المؤسسية للإنسان، كما اهتمت بالهوامش،

ثانيا: مرحلة المحافظة الدينية من 1979.

شهدت سنة 1979 في وقت واحد تقريبا الثورة الإيرانية بقيادة التيار المحافظ فيها،وانتخاب البابا يوحنا بولس الثاني بابا للفاتيكان إعلانا لانتصار اليمين الكاثوليكي،وبدء الحضور اللافت لليمين المسيحي الجديد أو المحافظ كجماعة ضغط وكتلة تصويتية مؤثرة في الحياة السياسية الأمريكية(درسنا التيار الأخير تفصيلا منذ وقت مبكر في كتابنا الإمبراطورية الأمريكية)…وهو ما يعني إعلان غلبة اليمين الديني أو” الدينيون الجدد “The Thecons… ولم تمر شهور،وبحلول سنة ،1980 وجدنا رونالد ريجان ومارجريت تاتشر، وقد تسلما حكم الولايات المتحدة الأمريكية وانجلترا وإعلانهما تطبيق ما عرف بالسياسات النيوليبرالية التي اتسمت بالمحافظة الشديدة في المجال الاقتصادي..وتبلور تيار مهم في الحياة السياسية الغربية والمؤسسات الاقتصادية الدولية يتبنى هذه السياسات المحافظة وهم الذين عرفوا لاحقا “بالمحافظين الجدد” أو The Neocons…وحدث التحالف الضمني بين اليمينيين…
لقد اكتسبت هذه الحركات ذات الطابع المحافظ شرعيتها من أنها تعارض الحداثة ومنجزاتها التي أخلت بالسنن الإلهية،وأضرت بالأخلاق،وفككت الأسرة،وأباحت التلاعب العلمي في الجنس البشري من خلال: بحوث الهندسة الوراثية والخلايا الجزعية، وملاحقة الإبداع الفني والأدبي،و مناهضة الإجهاض ،الخ…بيد أن القارئ لأدبياتها لا يكاد يلحظ أي اقتراب من أي نوع من القضايا الاجتماعية التي تهم الفقراء والمستضعفون والمهمشون..و لم تلتفت ـ قط للآثار السلبية للسياسات النيوليبرالية من: فقر،وبطالة،واتساع الفجوة بين الأثرياء والفقراء بالمطلق…والمفارقة أن منظري اليمين الديني من لاهوتيين وفقهاء قاموا بتبرير هذه السياسات…وفي هذا المقام تجدر الإشارة إلى الكتاب الهام الصادر في نهاية 2007 بعنوان:
“The Theocons”،
كذلك نشير إلى مرجعين مهمين هما:
روح الديمقراطية الرأسمالية،(1982)،The Spirit of Democratic Capitalism
نخبان في صحة الرأسمالية،(1978)،Two Cheers for Capitalism
وفيهما يتم تقديم تسويغات روحية ولاهوتية لاقتصاد السوق،فكل شيء في هذا الاقتصاد يعود لله..فاليد الخفية التي تقود السوق هي يد الله..وأن الأرباح المتحصلة هي تعبير عن منح إلهية…أما عن الفقراء فقد توقف الحديث عنهم من منظور التمكين وإتاحة الفرص المتساوية أمامهم مثل الآخرين لحساب النشاط الخيري Charity…
وهكذا تم تبرير الأجندة النيوليبرالية دينيا،وهو ما يعكس تطورات نوعية في الأدبيات المنتجة في هذا المقام،من حيث نوعية الموضوعات،ومتابعة تحليلية دقيقة للتفاعلات بين الحركات الدينية السياسية والاجتماعية والثقافية وبين الحركات المضادة والمؤسسات المعارضة.
ونأتي هنا إلى رصد مجموعة من الكتابات الهامة في هذا المقام وذلك كما يوضحها الجدول التالي:

الكاتب العمل
ميرشيا إلياده البحث عن التاريخ والمعنى في الدين.
خوسيه كازانوفا الأديان العامة في العالم الحديث.
مارسيل جوشيه الدين في الديمقراطية.
دانيال هيرفيه ليجيه وجان بول ويلام سوسيولوجيا الدين
ستيف بروس صلاة التليفزيون، و الدين والتحديث.
مالكولم هاميلتون علم اجتماع الدين.

وتتفق هذه الدراسات المرجعية في كيف أن ممثلي التجلي الثاني من التجليات الدينية السياسية ألا وهو “المحافظ” قد اختطف الحديث باسم الدين. ففي البدء قام الاتجاه المحافظ بعزل الحركات ذات الطابع الاجتماعي التي تمثل التجلي الأول والتي عنيت بالتفاوت الاقتصادي والاجتماعي…ثم حيدت التجلي الثالث…وكان من نتيجة ذلك أن المجال العام قد تم تأميمه/تقديسه لصالح الاتجاه المحافظ… حدث ذلك في صورتين:الأولى حيث استطاع التيار المحافظ أن يصل إلى السلطة كما في الحالتين الأمريكية والإيرانية. والثانية حيث أصبح التيار المحافظ المعارض الأساسي للسلطة القائمة في كثير من الحالات حيث ارتهنت باقي التيارات الفكرية والسياسية والدينية التي تنتمي للتجليين الآخرين لهذا الصراع.
ولأهمية كتاب كازانوفا ربما يكون من المفيد أن نعرض بعض موضوعاته وذلك كما يلي:

القسم الأول:ويضم:

القسم الثاني: مقدمة تحليلية وخمس حالات دراسية.

القسم الثالث:تعميم الدين الحديث.

(ح) كتابات الموجة الثالثة

مع السياسات النيوليبرالية و تفكك الإتحاد السوفيتي ـ والصعود اللافت لليمين الديني في الولايات المتحدة الامريكية مع إدارة ريجان (1980)،وانطلاق الثورة الخومينية والتي تجاوزت بحدوثها الحدود الجغرافية الإيرانية لتشكل بداية لانبعاث إسلامي ممتد،وفي نفس الوقت تأسيس حركة لاهوت التحرير في أمريكا اللاتينية على المستوى القاعدي الشعبي بين الفقراء،وتحرك الفاتيكان المضاد،وتكون حركات راديكالية دينية مسلحة،وتنامي صعود الهويات الثقافية :الدينية والمذهبية والعرقية ـ أصبح المشهد العالمي ديني الملامح خاصة وأن كل هذه الحركات والأفكار أخذت طريقها في الوجود متجاوزة القوميات والأوطان،فأصبحت عولمية الطابع على المستويين الفكري والحركي Transnational Ideas And Movements . إنها لحظة تاريخية شهدها العالم حيث الإحياء العالمي للأفكار الدينية،وبدء نشاط حركات ذات طابع ديني.
على الجانب الآخر،كان هناك طرف منتصر يعبر عن نفسه ليس فقط بأنه قوة عظمة وحيدة Lonely Super Power،بل إمبراطورية آن آوان أن تحصد ثمار انتصارها. وبدأ الطرف المنتصر يبشر بالعولمة والتي تعني صياغة العالم بحسب النموذج المنتصر على كل المستويات،وهو ما ترتب عليه ما يلي:
أولا: تدعيم التقكيك والتجزئة للدولة الموحدة والجامعة وتراجع المواطنة.
ثانيا: الصراع بين “العولمة” في “المركز” و”الخصوصيات الثقافية “في “الأطراف”، و”تغطية” هذا الصراع “بإضفاء المقدس” عليه.
وكان من أهم ما طرأ على المسرح الدولي هو “عودة المقدس” بقوة إلى مسرح العلاقات الدولية،بحسب برتران بادي.
وهنا ظهرت أعداد غير قليلة من الكتابات التي تتناول الدين والثقافة والسياسة والعولمة.وظهر باحثون معتبرون مثل:
1) جيف هاينز،
2) بيتر بيير،
3) رونالد روبرتسون.
4) بالإضافة إلى آخرين واصلوا الكتابة ممن ذكرناهم من قبل وظهور أجيال جديدة وأعمال وسلاسل عديدة حول قضايا الدين والمجتمع والدولة والثقافة والعولمة والمجتمع العالمي والمجتمع المدني العالمي..الخ.
وتتميز هذه الكتابات بأنها فتحت آفاقا للعديد من الموضوعات والقضايا والإشكاليات.وتم تناول الدين من منظور العولمة والتطور الاقتصادي العالمي ومن مقاربات عدة. فلقد أصبح الدين والمذهب والعرق،والتقاطع بينهم، حضورا في إطار المجتمع الدولي. وأصبح للعولمة القدرة على أن تنمط بالدمج في المنظومة الاقتصادية وأن تفكك في نفس الوقت، أو بحسب ما توقع جيدنز “العولمة تفككك بقدر ما تنسق وتساوي في الدمج”Fragments As it coordinates . وأصبحت دراسة العلاقة بين الدين والعولمة من المباحث الأساسية بإعتباره:

قوة فاعلة ،
له رسالة ،
يؤكد على الهوية ،
ويعرض الجدول التالي لأهم هذه الدراسات وذلك كما يلي:

الكاتب المؤلَف
جيف هاينز الدين في سياسات العالم الثالث.
الدين في السياسات العولمية.
الدين،العولمة والثقافة السياسية في العالم الثالث.
بيتر بيير الدين والعولمة.
الدين،العولمة،والثقافة.
رونالد روبرتسون العولمة النظرية الاجتماعية والثقافة الكونية.
ستيف بروس السياسات والدين.
ريبكا ألبرت أصوات اليسار الديني.
جاري دورين الروح في المجتمع:صناعة وتجديد المسيحية الاجتماعية.
بول هيلاس الدين،الحداثة،ومابعد الحداثة.
ك.دارك الدين والعلاقات الدولية.
د.كارسون وجون وودبريدج الله والثقافة.

ونعرض قائمة بأهم القضايا التي تطرقت لها كتابات الموجة الثالثة وذلك كما يلي:

كما نشير إلى سلسلة ماكميلان الهامة في هذا المجال، والتي صدر عنها منذ سنة 2003 ما يقرب من عشرة كتب وذلك كما يلي:

وتناولت الدراسات كل مناطق العالم بالبحث وذلك كما يلي:

كما أنتجت كل حالة على حدة أدبيات تعبر عن كل اتجاه ففي الولايات المتحدة الأمريكية يمكن أن نرصد في هذا المقام العديد من الكتب.(لا يقل عن 100كتاب).
ومع انتهاء فترتي حكم اليمين الديني في أمريكا،يمكن أن نرصد حراكا معاكسا تاليا لعودة الاتجاهات الدينية المعتدلة واليسارية فتشير دراسة حديثة بعنوان : Religion In American Politics (إصدار 2008) كيف أن تردي أوضاع الشرائح الاجتماعية الوسطى والدنيا وفشل اليمين الديني الجديد في التصدي لهذا التردي، قد دفع لبزوغ جديد لما يسمى”باليسار الديني”Religious Left،يتبنى ما يعرف “بالإنجيل الاجتماعي”الذي يتضمن أجندة مواجهة للفقر وسد الفجوة بين الفراء والأغنياء وحماية البيئة وتجنب الحروب خارج الحدود…
أيضا يعكس صدور المجلد الهام God Is Back، (صدر مطلع 2009)الذي يتبنى رؤية تقول أن القرن التيار المحافظ الحديث باسم الدين ولن تدوم مصادرته بالتالي لباقي التأويلات والاجتهادات..ولن يستقيم قبول إدارة العلاقات البشرية الكونية باعتبارها تعبيرا عن صراع بين مطلقات..وإنما ستتم استعادة فكرة أن الصراع هو صراع بين مصالح في المقام الأول…وعليه يعود المجال العام ـ بهذا المعنى ـ إلى نسبيته..ويكون الدين،لا الأحادي التأويل،وإنما المتعدد الـتأويلات،هو الحاضر فيه، حيث يتم إحياء طبعة دينية تقوم على حرية الاختيار الإنساني “Choice based “version of Religion تتيح للإنسان أن تكون له قدرة تأويلية للدين تتفق وموقعه في البناء الاجتماعي والاقتصادي فنجد قراءة متعددة الاتجاهات ذات تجليات إنسانية للدين في القرن 21..
فالقرن ال21 لن يكون دينيا / شموليا (أو محافظا) بالمعنى الذي عرفته البشرية في الحقبتين الماضيتين…فلن يستمر استئثار..ويلخص الشكل التالي الموجات المتعاقبة التي تناولت التجليات المتتالية للدين …


المصادر

1) ميرتشيا إلياده، البحث عن التاريخ والمعنى في الدين، ترجمة وتقديم سعود المولى، المنظمة العربية للترجمة،2007.
2) كرين برينتون، تشكيل العقل الحديث، (ترجمة شوقي جلال)، سلسلة عالم المعرفة عدد(82)، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، 1984.
3) جورج سباين، تطور الفكر السياسي، خمسة أجزاء ترجمة د. راشد البراوي وآخرون، دار المعارف، مصر، 1971.
4) Steve Bruce, Politics & Religion 2003.
5) Grace Davie, Religion in Modern Europe A Memory Mutates, 2000.
6) Thomas, Scott(1999), Religion & International Society, In Religion , Globalization & Political Culture in the Third World , edited by Jeff Hynes, Macmillan Press.
7) برتران بادي وماري كلود سموتس، انقلاب العالم وسوسيولوجيا المسرح الدولي ، ترجمة سوزان خليل ، كتاب العالم الثالث ، 1998.

 
طباعة
0
0
0
s2smodern
powered by social2s